قد لا يكون استئناف الحديث عن الوحدة باستذكار عنوان: " الاتحاد قوة " مجانبا للصواب، وهو عنوان علق بأذهاننا خلال قراءتنا لنص من مقررات إحدى سنوات المراحل الابتدائية، ونحن ساعتها في عمر الزهور، النص المذكور حاول فيه الأب أن يختزل لأبنائه أهمية الوحدة الاجتماعية، فشبهها لهم، بحزمة من العيدان، يستحيل كسرها مجتمعة، بينما يسهل كسر كل واحد منها بمفرده.
ولما كانت الوحدة، مطلبا ملحا وضروريا لكل البنيات الاجتماعية، صغرت تلك البنيات أم كبرت، فإنها تبدو أكثر إلحاحا عندما يتعلق الأمر بالدولة كأكبر مجسم اجتماعي عرفته البشرية عبر تاريخها الاجتماعي والسياسي الطويل.
فجهاز الدولة بما يحويه من مكونات مجتمعية ومؤطرات تاريخية ومنظومات قيمية وعقدية، تتدرج في سلم نموها التاريخي، من التجانس إلى اللا تجانس ومن البساطة إلى التعقيد، إلا أن مفهوم الدولة ــــــ أي دولة ــــــ يبدو فارغا من أي محتوى مالم يكن قادرا على استيعاب كل مظاهر الاختلاف وتجليات التناقض على المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعرقية، مُحوِّلا بذلك أزلية التنوع والتعدد البشري في الشكل، إلى اتحاد وتجانس في المضمون والجوهر.
وحلم الوحدة ـ كما تعلمون ـ يتصدر اهتمامات المجتمعات المعاصرة، لما له من أهمية في ضمان استقرار الدول، وديمومة نموها و اضطراد التقدم والازدهار بها.
ومجتمعنــا الموريتاني حين وضع القدم على عتبة دولته المعاصرة في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وجد نفسه في وضع يُحسد عليه، حيث بدّد تآلف وانسجام مكونات شعبنا تحت مظلة الدين – من فضل الله- الوحشة، بين العناصر المجتمعية وتآلفت قلوب الثنائيَ العرقي ضمنه على مركب الوطن الواحد، ذلك المركب الذي دعَّم اتحادُ التاريخ و الأملِ والمصيرِ أرضية مرساه، لتستمر اللحمة الاجتماعية بين مكونات الوطن الواحـد ـــــ وعلى مدى قورن ــــ عصية على الشرخ و الانشطار
وأمام تاريخ كهذا ومجتمع كهذا وفي لحظة تاريخية فارقـة كهذه، يجدر بكل أبناء هذا الوطن أن يستلهموا الدروس والعبر من الحميمية التي ميزت قصة التعايش بين مكونات هذا الشعب في العصور الغابرة، عسى أن يكونوا بذلك خير خلف لخير سلف، و مصدر إلهام لأجيال مستقبل هذا الوطن الغالي
يا علماء موريتانيا ويا شيوخ محاظرها، يا رجال المال والأعمال في موريتانيا ويا رؤساء الأحزاب السياسية في موريتانيا و منظمات المجتمع المدني( إنــســــــانيـــــــــــة ! كانت تلك المنظمات، ثقافية أو اجتماعية أو حقــــــــــــــــوقــيـــــــة ! ) في موريتانيا ويا قادة الرأي ويا شخصيات مرجعية وازنةٍ أو موزونةٍ، يا نخبة مثقفي موريتانيا، و يا أنصاف مثقفيها، يا خــاصتها ويا عامتها، يا مُنتَخَبِي موريتانيا معارضين كنتم أو موالين، معاهدة كنتم أو منتدى، ، ياعرب موريتانيا ويا زنوجها
اعلمـــوا أن النظرة الفاحصة و الموضوعية والمجردة من كل النوازع الشخصية والمؤثرات الخارجية تؤكد أن ما يجمعكم أكثر مما يفرقكم، وأن أي طموح أو خطوة في اتجاه التصالح مع الذات هي خطوة تستبطن الوفاء لماضي مجتمعنا التليد وتتناغم مع تطلعات أجيالنا المعاصرة لبلوغ المرام على مدارج الرقي والإزدهار، وأي خطوة على غير تلك الجادة، هي خطوة وافدة أو مستوردة، وتسعى، بالتأكيد، إلى التدمير، أكثر مما تسعى إلى البناء .
إخوتي في الدين والوطن، اعلموا أن بِساط أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية يتسع للجميع، وفضاءها السياسي والإعلامي خاض ويخوض فيه الجميع، و ماتستبطنه أرض هذا الوطن أو تُقِلُّهُ من خير، لكم جميعا ولأبنائكم من بعدكم، وما يتهدّد هذا الوطن العزيز من ســوء ـــــ لا سمح الله ـــــ عليكم جميعا وعلى أبنائكم من بعدكم .
ورمية حجر صغير في بحر لجي هادئ تتحول الأمواج بموجبها من الرتابة والسكون إلى العنفوان والتلاطم، وعود الثقاب مع تناهيه في الصغر، تستحيل الغابات والمدن الكبيرة، بفعله هشيما تذروه الرياح
ومعظم النار من مستصغر الشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرر، حفظ الله موريتانيا من عبث العابثين، آمين
بقلم / محمد ولد الداده ــ الطينطان