الحرب الدائرة الآن في العراق قد تشهد في شهر الأكاذيب (أبريل) المقبل تصعيدا طائفيا وعنصريا لاهبا، إذا ما قررت أميركا، بتنسيق غامض مع إيران، دفع قوة من 25 ألف ميليشياوي شيعي وكردي، إلى اقتحام الموصل و«تحريرها» من نير «داعش».
ميليشيات «الحجّي» الإيراني قاسم سليماني تقول إن الموصل ليست هدفا عاجلا. و«تحرير» الفلوجة أشد ضرورة. فهي تطل على الخاصرة الغربية لبغداد التي هددت «داعش» بغزوها، وإسقاط النظام الشيعي المعتصم فيها، وذلك قبل أن تتولى مطرقة الطيران الأميركي تأديبها وردعها.
جنرالات أوباما لا يبالون بـ«فيتو» حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية على القوات البرية الأميركية. ويقولون إنهم قد يضطرون إلى إنزال قوات خاصة (كوماندوز) لدعم جيش الغزو الشيعي/ الكردي، إذا ما تعرض لمتاعب في الموصل، ولحماية كتيبة «كش الحمام» البرية التي تتولى تطيير طائرات «درون» الأميركية، وضبط توجيهها إلى أهدافها.
أما ميليشيات الـ«بيش ميركه» الكردية، فهي منهمكة بتكليف من الأميركيين باحتلال ريف الموصل، لقطع طرق الإمداد اللوجستي للمدينة من سوريا. لكن «داعش» سارعت إلى اقتحام مناطق كردية وآشورية في أقصى شمال شرقي سوريا. وخطفت أكثر من مائتي آشوري كرهائن، قد تهدد بذبحهم إذا ما تمت غزوة الموصل.
وهكذا فأميركا وإيران متورطتان في حروب طائفية وعنصرية في المنطقة العربية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. وإزاء هذه الحقيقة التي يسكت عنها الإعلام الغربي، فهل يتعين على النظام العربي الاكتفاء بدور المتفرج المساير. أو الصامت العاجز. أو المشارك المتردد؟
دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إنشاء قوة عربية جاءت في الوقت المناسب. ولقيت أصداء وتجاوبا رسميا وشعبيا في عدة دول ومجتمعات عربية. وشاء السيسي أن يتوجه في دعوته هذه إلى النظام الخليجي ومجتمعاته. «نحن معكم في كل التحديات التي تقابلكم»، وذلك كرد للجميل والوفاء للخليج الذي قدم عشرين مليار دولار لتعويم اقتصاد مصر.
ولا شك أن السيسي ألح على فكرة القوة العربية، في زياراته المتعددة الأخيرة إلى الخليج، وبالذات السعودية، بعد مبايعة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكا، خلفا للعاهل الراحل عبد الله بن العزيز الذي كان قد طرح الفكرة، بدءا من تصعيد مجلس التعاون، إلى اتحاد خليجي.
كعربي، أتمنى ألا يرتبط مشروع إنشاء جيش عربي، أو قوة عربية، بمناسبة انعقاد قمة عربية في مصر هذا الشهر، وذلك لكي يأخذ المشروع طابعا جديا في عيون العرب، بعدما عجزت مؤسستا الجامعة والقمة، عن تطبيق معاهدة «الدفاع العربي المشترك» الموقعة منذ أكثر من ستين سنة.
الواقع أن مصر تشعر بأنها أقصيت، منذ الانتفاضات العربية، عن مجالها الحيوي الاستراتيجي المحيط بها. بل كادت تفقد وعيها بأمنها القومي، بعدما أوصلت أميركا «الإخوان المسلمين» إلى حكم مصر. فتوجهوا إلى إقامة «مشيخة» إقليمية مع إيران وتركيا تحكم المنطقة متجاوزة عروبتها، وسعيها إلى المحافظة على ثقافة العصر والحداثة السائدة منذ القرنين الأخيرين. وها هو السيسي يسارع إلى استئناف بناء جيش مصري قوي، بشراء أسلحة هجوم ودفاع استراتيجية، خصوصا من روسيا وفرنسا، بعد تلكؤ أميركا في تزويد مصر بقطع تبديل للأسلحة الأميركية التي حصلت عليها، بعد معاهدة الكامب (1979). وكانت الغارة المصرية على مواقع «داعش» في درنة بشرق ليبيا بعد مجزرة الأقباط المصريين، بمثابة تأكيد على أن قوى الأمن القومي العربي يجب أن لا تسكت عن أي استفزاز أو اعتداء عليه.
من البديهي الاعتراف بوجود حساسيات محلية عربية، إزاء أي مشروع لتشكيل قوة عربية استراتيجية. فدولة الاستقلال قصرت عن أن تكون نواة لوحدة قومية. وقد أطاحت الحساسيات السورية المبالغ فيها، بالوحدة المصرية/ السورية (1961). ولتجنب هذه الحساسيات، لا بد من دمج أفراد هذه القوة، ليألفوا التعايش في بوتقة عسكرية واحدة، بعيدة عن الآيديولوجيات التي مزقت الجيوش العربية سابقا. وشرط فاعلية قوة عسكرية كهذه أن تكون خاضعة تماما لقيادة سياسية مدنية مشتركة. بمعنى آخر، يجب أن لا يتغلب خطر الحساسيات على خطر التحديات. فيتم إلغاء أو تأجيل مشروع القوة المشتركة. وأود أن أشير إلى خمسة تحديات أساسية تواجه العرب، بالإضافة إلى التحدي الـ«داعشي». وأول هذه التحديات بناء أميركا لجيش سوري «معتدل»! ولعل النظام العربي يقنع أميركا بدمج هذا الجيش في المشروع العسكري العربي. فلا جيوش. ولا ميليشيات، خارج الإرادة القومية المشتركة.
التحدي الثاني هو المشروع النووي الإيراني. النظام العربي مفروض أن يشارك في المفاوضات السرية الأميركية/ الأوروبية مع إيران. كي لا يفاجأ العرب باتفاق على حسابهم، تقبل فيه إيران بتأجيل قنبلتها 15 أو 20 سنة، كما يقترح الأميركان، في مقابل اعتراف غربي بهيمنتها على المشرق العربي واليمن. وإسقاط العقوبات الدولية عنها.
التحدي الثالث هو مواجهة الخطر «الداعشي»/ الشيعي الذي يهدد الأردن. الغارات الجوية على صحراء الأنبار قوضت احتكاك «داعش» بالحدود الأردنية/ السعودية. يبقى الخطر الشيعي. وقد سبق لي أن قلت في هذه الجريدة، وخلافا لكل التعليقات الإعلامية العربية، إن الحشد الشيعي في الجولان ليس القصد منه شن حرب على إسرائيل لا تريدها إيران، إنما الغرض منه استعادة جنوب سوريا من ميليشيات المعارضة السورية، وصولا إلى الحدود الأردنية، لممارسة ضغط إيراني على الأردن.
هذا البلد العربي يملك نظاما. وجيشا. وأمنا، في منتهى القوة. لكن القوى الدينية المتزمتة، وفي مقدمتها «الإخوان»، هي بمثابة حصان طروادة داخلي، يهز استقرار الأردن، وخاصة أنه يؤوي نحو مليون لاجئ سوري هم أيضا بمثابة قوة سياسية متعددة الولاءات والاتجاهات. من هنا، جاءت حماسة الأردن ملكا. ونظاما. ومجتمعا للمشروع العسكري المصري. ولو كانت هناك قوة عربية لدعمت الأردن في مواجهة وحسم كل هذه التحديات والاستفزازات.
يؤسفني أن أقول إن التحدي الرابع للعرب هو كردي. النظام الخليجي تمكن من إقامة علاقة طيبة مع كردستان العراق، سمحت لعرب الموصل باللجوء إليها فرارا من «داعش». وأتاح الدعم الأميركي المطلق لأكراد العراق المجال أمامهم لاجتياح مناطق عربية متعددة، ومناطق متنازع عليها بين الأكراد. والسنة. والشيعة (كركوك مثالا)، من دون ضمانات بالجلاء التام عنها بعد زوال خطر «داعش».
النظام العربي مؤهل لنصح وتحذير «الصحوة» الكردية من الصدام مع عرب العراق، خشية من نشوب نزاعات عنصرية عربية/ كردية، بعد «تحرير» الموصل. وخاصة أن هناك معلومات عن منع الأكراد للعرب من العودة إلى مناطقهم وبيوتهم المحررة، وأن هناك مشروعا كرديا/ شيعيا يجري تداوله في بغداد، لتقسيم ريف الموصل الخصب، وإقامة محافظة لأقلية عنصرية كردية إيزيدية وآشورية، بهدف خلخلة وتقويض الكثافة السكانية في المربع العربي (السني) الممتد من غرب دجلة والفرات في العراق، إلى ساحل البحر المتوسطي السوري.
التحدي الأساسي الخامس للعرب، هو في الحقيقة موجه إلى النظام الخليجي، وبالذات إلى السعودية التي باتت تتحمل مسؤولية القرار السياسي العربي، بعد انتقال مركز الثقل السياسي والمادي إلى الخليج. هذا التحدي ظاهر في الحراك الحوثي لاستيعاب اليمن كله، بتحريض من إيران التي أيقظت فيه الغرائز الطائفية. ومن البديهي أن تجد حكمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في مشروع تشكيل قوة استراتيجية عربية، دعما وتعزيزا لأي قرار يتخذه بشأن الأزمة اليمنية.