تساؤلات كثيرة وشكوك بقدرها تدور هذه الفترة حول نية النظام الموريتاني تعديل الدستور لكي يتمكن الجنرال محمد ولد عبد العزيز من الترشح لولاية ثالثة ، أو لنقل بشكل أدق للحصول على تفويض ثالث بدل انتخاب ثالث، نعم ذلك هو الرأي السائد عند أغلب الشباب المشككين و الرافضين للمسرحيات " الديمقراطية " التي يجريها النظام الموريتاني بغلاف ديمقراطي خادع وبأيدي قبلية فاعلة، بقوة قبلية مقيتة جدا.
لن نكون في موريتانيا بدعا من المحيط الإفريقي القريب أو ذلك البعيد، فأغلب أنظمة دول إفريقيا عدلت دساتيرها أو غيرتها من أجل سواد عيون الدكتاتوريين القابعين في كراسي الحكم ما بقي لديهم نفس يتنفسونه، فرؤساء " البنين " و " الكونغو الديمقراطية " و " بروندي" و " الكنغو برازفيل " و " التوغو " كلهم يسعون لتعديل دساتيرهم من أجل البقاء في السلطة وكذلك النظام الحاكم في الجزائر، كلها أنظمة تصر على أن يبقى دكتاتورييها في سدة الحكم رغم أنف شعوبها التي ذاقت من الويلات ما لا يمكن تحمله ، إن من أجل الحكام أو من أجل أبنائهم.
لن يكون محمد ولد عبد العزيز إذا نقيض زملاءه وهو القادم منذ فترة قصيرة جدا من سدة رئاسة منظمتهم التي أكل عليها الدهر وشرب ولا تعدو كونها جمعية أو نادي لجماعة من الدكتاتوريين يناقشون فيها مشاكل كراسيهم التي لا تنتهي ، وأصبح هذا الإتحاد مجرد ديكورٍ لإخفاء إخفاقاتهم وزلاتهم الكثيرة والطريف في الأمر أنه في اجتماعهم الأخير سلط الأمين العام للأمم المتحدة " بان كي مون " الضوء مباشرة على النقطة الحساسة في أجساد أنظمتهم المتهالكة وذلك حينما يقول << نشعر بالقلق من تمسك الحكام في أفريقيا بالسلطة، وعليهم أن يغادروها بالانتخابات " في إشارة إلى التلاعب في الدساتير" تلك اللعبة التي يجيدونها بامتياز، ومن الغريب أنك ستتفاجئ إذا ما قرأت دستور أي بلد إفريقي أن عدم التلاعب بالدستور يعد أحد أهم البنود في هذه الدساتير وكمثال على ذلك يرد في الدستور الموريتاني المعدل في 2012 ما نصه << الباب الحادي عشر – حول مراجعة الدستور - المادة 99: ... لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا >> والمادتين 26 و 28 تنصان على انتخاب رئيس الجمهورية لمدة 5 سنوات و إمكانية انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة، وتظهر المادة 99 أعلاه كم هو جميل لو تم الإلتزام بفحواها وهو ما يبدو مستبعدا من خلال التلميحات والتصريحات التي صدرت أخيرا من رأس النظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز. والجدير بالذكر أن المادتين 26 و28 تعدان من ضمن المواد الجامدة التي يبطل تغيير الدستور إذا نال من إحداهما وهو ما يبدو أن الجنرال يحاول التحايل عليه من خلال قوله إنه سيلجأ للشعب من أجل تعديل الدستور إذا ما أراد ذلك. كما أن الصياغة في المادة أعلاه أقرت في تعديلات 2006 وحظيت حينها باتفاق أغلب الأحزاب السياسية إن لم يكن كلها، لكن انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز على سيدي ولد الشيخ عبد الله في 2008 جاء ليقضي على أي قدسية يفترض أن الدستور يتمتع بها ، فمالذي يجعلنا متِكدين أنه لن يعدله أو يغيره من أجل أن يظل حيث هو.
يتفاعل النقاش إذا ويتصاعد وتلعب المخابرات على الترويج لكون الدستور ليس أكثر قدسية من أن يغير " لمصلحة البلاد " كما يزعمون، هذا الدستور الذي عُدل عدة مرات يبدو أنه الآن في طريقه إلى التعديل من جديد، فعندما يقول الجنرال محمد ولد عبد العزيز في أجتماع له مع شيوخ القبائل وأرباب المال المعروفين اصطلاحا ب ( نواب الأغلبية الحاكمة بغرفتي البرلمان )، عندما يقول " إن تغيير الدستور لن يتم عن طريق حوار سياسي وإنما من خلال استفتاء وطني شامل " فهذا تلميح واضح على أن هذا التعديل في طريقه إلى أن يرى النور لا محالة، فهؤلاء ليسوا إلا شيوخ قبائل ورجال أعمال وهم المؤثرون بشكل مباشر على خيارات المواطنين ، إما من خلال التوجيه بإسم القبيلة كما يفعل" شيوخ القبائل " عادة ، أو بشراء مواقف المعدمين وهم الغالبية، وهذا دور رجال الأعمال، أعضاء غرفتي البرلمان مجازاً. صحيحٌ أنه لا يمكن حصر من يمكن التأثير عليه بين التابعين لشيوخ القبائل أو أولائك الذين يقبضون أموالا من رجال الأعمال، ولكن من لايدخل في هذا التصنيف لا يمكن أن يغير من واقع الأمر شيء كونه فئة لا مال لها ولا جاه قبلي العاملين الحاسمين في مثل هذه الامور كما أشرت آنفا.
إذاً جرى هذا الإجتماع بين الجنرال و سنده المباشر في المسرحيات التي ينظمونها عادة باسم الديمقراطية ولا شك عندي أن الإتفاق قد تم على تعديل الدستور من خلال " الشعب " كما قال الجنرال و مهّد للحكم خمس سنوات قادمة – غصبا بطبيعة الحال- بعد أن تنتهي ما يطلق عليها " المؤمورية الثانية " فالدول الإفريقية عادة لا تقيم وزنا يذكر لدساتيرها مهما كانت قدسيتها إذا وَجد الحاكم المطلق أنها تقف أمام طموحه في الإستمرار في الكرسي.
لكن في موريتانيا يبقى السؤال المطروح هو كيف سينفذ الجنرال محمد ولد عبد العزيز فكرته القاضية بتعديل الدستور ؟ أو لنقل كيف يجد السبيل ليظل جاثما على كواهل الفقراء الذين تم التضييق عليهم اقتصاديا حتى لم يبق لهم من هم سوى كيفية الحصول على قوتهم اليومي، سياسة لا شك أن النظام ورجال أعماله المحتكرين لكل المواد الغذائية يعملون عليها حتى ينشغل الكل في موضوع العيش ، ويبقى موضوع الكرسي له وحده ، ولن تعدمه الحيلة في إيجاد حل مع " أحزاب المعارضة " التي توشك أن تدخل معه في حوار يرى أغلب المتابعين أنها ستخرج خاسرة منه كما حدث في اتفاقات وحوارات سابقة لعل منها " حوار داكار " وحوال النظام مع " أحزاب المعاهدة " وغير ذلك من نقض الإتفاقات التي دأب هذا النظام على القيام بها.
يخطط النظام جاهدا لإيجاد مخرج لمشكل الدستور هذا الذي يعترض طموح الجنرال في الإحتفاظ بأعماله التجارية في شركات نفطه وفي جرارته التي أصبحت تنافس الخواص في أعمالهم، في شركات الأشغال العامة التي تدر أرباحا طائلة بحكم ملكيتها المميزة، كل هذه الميزة التي يحتفظ بها تجعلني أصر على أن الدسور الموريتاني يهون ويتداعى أمامها، فسيظل المال هو الأول والأخير ولتذهب مصالح وديمقراطية وعدالة موريتانية إلى الجحيم.