عاد موضوع تعديل الدستور في الجزائر إلى نقطة البداية بعد أن اعتقد الجميع أن التعديل سيفرج عنه أخيرا، بعد سنوات من الانتظار لرؤية هذا التعديل العميق الذي طالما وعد به الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك بعد تصريحات عمار سعداني زعيم حزب الأغلبية (جبهة التحرير الوطني) الذي قال بأن التعديل مؤجل، دون تقديم تفاصيل أكثر، فيما رد عليه غريمه حزب السلطة الثاني (التجمع الوطني الديمقراطي) الذي نفى أن يكون التعديل قد أجل.
التضارب في التصريحات بين أحزاب الموالاة التي تحاول الظهور في صورة المطلع على ما يطبخ في الكواليس يدل على أن موضوع تعديل الدستور أكثر من معقد، وأن تأخره، أكثر من أربع سنوات، دليل على أنه لن يرى النور في الغد القريب، فعمار سعداني المحسوب على الفريق الرئاسي كثيرا ما أعلن عن مواعيد لتعديل الدستور سقطت كلها في الماء، وكان آخر موعد أعلن عنه هو بداية شهر أبريل/ نيسان، لكن هذا الموعد أيضا ذهب أدراج الرياح، لأن نقترب من نهاية الشهر الرابع، ولا شيء يوحي بأن التعديل قريب، فرئيس المجلس الدستوري صرح قبل أيام بأنه لم يصله أي شيء بخصوص تعديل الدستور، في الوقت الذي كان فيه رئيس البرلمان قد أعلن قبل ذلك بيومين أنه اطلع على مسودة تعديل الدستور، وكشف عن الخطوط العريضة للتعديل.
لكن التصريح الصادر عن سعداني خلط الأوراق مجددا، مؤكدا على أن المعارضة هي المسؤولة عن التأجيل، لأن الرئيس يريد دستورا توافقيا يكون محل إجماع، وأحزاب المعارضة ترفض المساهمة في التعديل الدستوري، قبل أن يأتي الرد سريعا من عبدالقادر بن صالح أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، وهو أيضا رئيس مجلس الشورى، أي أنه الرجل الثاني في الدولة، والذي قال إنه اطلع على مسودة الدستور الجديد، وإن هذه الأخيرة عادت إلى رئاسة الجمهورية مجددا، بعد إدخال تعديلات طفيفة عليها، وإن المشروع سيتم عرضه على البرلمان قريبا.
تضارب التصريحات بين أحزاب الموالاة بخصوص مشروع التعديل الدستوري القائم منذ 2011، والتأجيل المتكرر يعطي مصداقية للكلام المتداول بشأن وجود خلافات داخل السلطة بشأن التعديلات التي سيتم إدخالها، خاصة ما تعلق بموضوع نائب الرئيس الذي طرح أكثر من مرة، وتمت الإشارة أكثر من مرة إلى استبعاده، فضلا عما تم تداوله بشأن إدخال تعديل على المادة 88 الخاصة بشروط وإجراءات إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، خاصة أن التعديل الدستوري ورقة ضمن صراع الإرادات القائم داخل النظام منذ أكثر من سنتين، والذي يشتد في كل مرة يتم فيها الحديث عن خلافة بوتفليقة، وهي الخلافة التي يريد البعض أن يضمنها من خلال أقلمة نصوص دستورية مع الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد.
القدس العربي