في العاشرة من عمري لم يكن الإستماع ل " الهول " مباح ، كانت جدتي تطلب مني الإنصراف للعب كلما كانت الجلسة طربية . لكن شئ ما يجذبني لتلك الأصوات العذبة غير المفهومة بالنسبة لي في معظمها ، و يزيد من شغفي بها تكرار أحدهم مقاطع الأبيات الشعرية أو " الگيفان" مع المغني ، أحيانا يشدني حديثهم حول قصة " طلعة " ما ، و تثيرني حركاتهم و هم طربون ، فأقاوم اوامرها بالخروج .
ذات يوم حدثت صديقتي التي تكبرني بسنوات نعن الفرق الشاسع بين ما أسمعه من أغاني في التلفزيون و بين ما يسمعه اهلي عبر اشرطة مسجلة ،فأخبرتني أن ما يردد عبر تلك الأشرطة هو غناء فنانين موريتانيين و الشعر لشاعر اسمه نزار قباني .
قررت حينها أن أكيد للشريط الغنائي -ابيض اللون كما اذكر للان -و جهاز المسجل علني اشفي غليلي مما اسمع من نغمات بشكل متقطع و غير مفهوم .
و اختلستهما ، و انتبذت مكانا من البيت قصيا عن الغاطين في القيلولة ، و استلقيت استمع باصغاء شديد لما يتردد ، كانت الراحلة ديمي تغني : حبيبتي اذا ما رقصنا معا
على الشموع لحننا الأثير
و ظنك الجميع في ذراعي
فراشة تهم ان تطير
قولي لهم بكل كبرياء
يحبني يحبني كثيرا .
في ذلك اليوم البعيد عرفت صوت الأيقونة الشجي و حفظت مع تردداته خرافية الروعة جل قصائد شاعر المرأة .
صوت ديمي الآتي من عمق الهوية و تجلياتها يجمعني بأطرافي المترامية عبر خارطة مكلومة و يلملم جراحي و يصهرني طربا يهزء بالحسن و يستصغره .
لا اذكر أني طربت لغير صوت ديمي ووالدها سيداتي ، وحدهما يجعلاني أُحَلِق ٌ في سماء الطرب .
بصوتها تمتزج ذكريات حلوة بأخرى مرة فهي رفيقة الفرح و الترح ، ترافقنا مبتهجين و حزانى ، عند اللقاء كما عند الفراق ، صوتها يسمو بالشغاف .
ترى هل علم الراحل بشارة الخوري " الاخطل الصغير" بشدو ديمي قصيدته :
بلغوها اذا أتيتم حماها // أنني متٌّ في الغرام فداها
و اذكروني لها بكل جميل //
فعساها تبكي علي عساها .
ديمي رحمها الله علمتني الشعر و كيف استطعم مقاطعه غناءً.
نقلا عن صفحة الكاتبة على الفيس بوك