لم تحتج الدراسات في علم السياسية لكثير تنظير لتحدد معالم الأزمة السياسية ولتعطي تعريفا للأزمة يتجلى في العديد من الأوجه والمعطيات، هذا طبعا مع الفوارق والخصوصيات ومع الأخذ بعين الإعتبار طبيعة الأنظمة والمجتمعات .
فلنكون أمام مايمكن توصيفه مجازا بأزمة سياسية على الأقل ينبغي أن نكون أمام غياب تام لإمكانيات العمل السياسي بالوسائل السياسية المشروعة في الأدبيات الديمقراطية ، أو نكون أمام تجاوز واضح للوثيقة الدستورية وإهمال تام لكل تنصيصاتها وتنظيماتها . طبعا مع تجليات أخرى عديدة تتأسس إنطلاقا من التجليين المذكورين .
وفي موريتانيا لم نكن غريبين على مثل هذه الوضعية، إنها جزء مهم من المسار السياسي الحديث للبلد وجزء مهم من الثقافة السياسية الوطنية .
لكن الحديث عن أزمة سياسية واعلان وجودها والتطبيل له، لايعني بالضرورة وجودها وليس هو المبرر الكافي لوجودها ، وفي التجربة مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز حين كانت هناك أزمة سياسية تم الإعتراف بها، وبدأ السعي وطنيا واقليميا ودوليا لتجاوزها ولوضع ضوابط للحلول والتسوية ، ولم يقم أحد بإخفائها أو بمحاولات التستر عليها ..إنها أزمة سياسية قائمة وواضحة ولايمكن تجاوزها بمجرد حديث أو مزايدات اعلامية .
نفس الأمر المنطبق على وجودها ينطبق على عدم الوجود ، فالمزايدات الإعلامية والتهويل والتطبيل لايمكن أن يصنع أزمة سياسية ولايمكن أن يقنعوالشارع أن هناك أزمة تستحق هذا التوصيف الثري بتجليات الشلل السياسي وغياب التفاهم وعدم القدرة على استمرار الحياة الدستورية .
استمرار اثارة هذا الموضوع من فترة طويلة ومرورها بعدة مراحل ومحاولة وضعه دائما على أي مطية تتيحها الظروف الوطنية أو الإقليمية، يؤكد بما لايدع مجالا للنقاش أننا لسنا أمام أزمة بل أمام باحثين عن أزمة وباحثين عن استغلالها فمرة ينشدونها بالرحيل تناغما مع وضع عربي ومرة ينشدونها بتعرض الرئيس لحادث عرضي متناغمين مع حدث وطني، إنها أزمة منشودة لم تتجسد في الواقع والنخب للأسف تبحث عنها في الوهم وتصنعها بالوهم .
في المقابلة الأخيرة للاستاذ سيد محمد ولد محم رئيس الحزب الحاكم استدعيت الأزمة للنقاش وقدمتها نخب الصحافة الحزبية المستمرة في نقل نقاش المزايدة الحزبية للمجال الصحفي حيث المفترض الموضوعية والواقعية والكلام الموثق المنطلق من حقائق ومعطيات على الأرض، ولأنه كان لابد من وضع حد لهذه الأزمة المستمرة كان يجب أن تثار مع الأستاذ سيد محمد ليضع حدا واضحا للنقاش ، أين الأزمة في ظل العمل المنتظم للمؤسسات الدستورية؟ اين الأزمة في ظل وحود مؤسسات منتخبة وفي ظل وجود ترسانة قانونية مكتملة تنظم العمل الحزبي ؟اين الأزمة في ظل مساحة الحريات القائمة والفضاء المفتوح امام مختلف الاراء والتوجهات ؟
ان الازمة لاتصنع من خلال المهرجانات والخطب والتهويل الاعلامي كما أن الحلول ومحاولات التسوية لاتأتي من التهويل والمزايدات ، والشعب الموريتاني بتجربته وتاريخه ومساره مع الأنظمة الشمولية والتعددية وتراكم خبرة ثلاثة عقود من الديمقراطية قادر على معرفة متى يكون امام ازمة ومتى يكون امام نخب معزولة من الشارع تسعى للضغط وللعب بالورقة الأخيرة وتحريكها لكسب مكان جديد في ساحة بدأت تتجدد وتغادر الزمن الأول وجيل الزمن الأول ورجال الزمن الأول.
نقلا عن صفحة الكاتب