الديمقراطية ليست نهاية التاريخ .. طبعا لكنها حصيلة مهمة وخلاصة للماضي من تجارب صراع الإنسان مع الحاكم ومع السلطة وخلاصة للصراع بين الحرية والإستبداد .
هذا الصراع ظل طرفاه المستمران في المواجهة شعوب ومجتمعات ، تواجه قادة حكام يسعون دائما لفرض حقيقة مطلقة وهي أنهم الاوصياء على الشعوب وانهم الظل الإلهي المسخر لتنظيم البشر ولتسيير حياته .
لم تنتهي هذه السطوة، ولم تتراجع حدتها إلا حين برزت الديمقراطية كطائر فينيق خرج من ركام حرب طويلة طول ألم الإنسان الضارب في التاريخ ، وهزمت وجوه المستبدين وحولتهم لمزابل التاريخ يزينون صفحات الدم وصفحات القمع وسحل الناس .
في تجربتنا المحلية لم يكن وصولنا للديمقراطية مفروشا بالياسمين ولا بالوروود .. لقد كان صراعا حقيقيا ضد الهراوة وضد السجن وضد السوط وضد المنفى وضد ظلمات الليل .. من أبرز من قاد حقبة الظلام وقادة الحرب عندنا على الحرية، وأطلق النار على الفراشات ومنع العصافير من العودة لاعشاشها ، العقيد اعل ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري السابق رئيس الدولة ، ويوم تخلصنا من دولته بكل سنينها العجاف ، جثم هو علينا لعامين محاولا أن ينسينا انه كان طوال تلك العشرين سوطا وسيفا يقطع الأعناق والأرزاق .. محاولا ان ينسينا أنه هو من قال لموريتانيا "بولي على النار" يوم استبشر اهلها خيرا بنفطها وسمكها وزرعها وضرعها . محاولا أن ينسينا أنه من كان يعذب في الزنازين ويرسل الناس وراء الشمس وانه من القى بالرجال في عرض البحر ، ومن قتل المساجين ليلة الإستقلال ، وأنه من جعل موريتانيا ملكية خاصة وقطعة ارضية يملكها ويكتبها بأسماء ابنائه .
هذا الذي سامنا كل هذا واكثر لايريد أن يغادرنا ولايريد أن يخرج من وجعنا ، فبعد أن خرج رغم محاولته البقاء من خلال البطاقة البيضاء ، عاد واثقا في أن الموريتانيين بلاذاكرة وتقدم للإنتخابات وخرج منها بنسبة تعبر عن عدد شركائه في الجرم وعدد اللصوص معه في المغارة .
لم يكتفي العقيد المعقد بهذه النتيجة ليغادرنا بما نهب لغير رجعة بل عاد وعاد اكثر وقاحة ، عاد ينظر في الديمقراطية وفي الحرية وعن العدالة ، هذه المفاهيم التي تشمئز حين تذكر بالقرب من إسمه ، نعم الكلمات لها أرواح ولها صداقات ولها احاسيس وكلمة حرية تشعر بكبير استياء حين تأتي في نفس السطر مع العقيد اعل ولد محمد فال .
عاد المنظر يحكي لنا عن الحقوق ، وهو يعلم اننا نعرف انه متورط في كل الملفات الحقوقية على هذه الأرض وخارجها ، عاد المنظر ينظر عن النهب وهو يعرف أننا نعرف أنه أثرى أثرياء البلد وهو لم يعمل يوما تاجرا فكيف صار بكل هذا الثراء .. عاد ينظر عن الحرية وهو يعرف أننا نعرف أنه قمع الصحافة وصادر الجرائد وقمع نقاش الصالونات وأخرس اصوات الطلاب ونفى النقابيين وقطع أرزاق المعارضين .
كيف تتحدث في مواضيع سيادة العقيد انت تعرف أنك آخر من يحق له حتى أن بسمع بها ..لو كنت موفقا لفعلت مثل كل اقرانك من عتاة الجلادين، تذهب لدولة خليجية تستعين بخبرتك الأمنية وتستمر في تخصصك القمعي ..قبلك فعلها ادريس البصري حين طرد من المغرب ذهب للسعودية وفعلها عمر سليمان ذهب هناك ، وفعلها محمد دحلان ذهب للإمارات ، لم يحاول واحد من هؤلاء أن يكون وقحا وينظر في الديمقراطية ، سيادة العقيد انت نائم وتستحق جائزة نوبل كي تفيق .
نقلا عن صفحة الكاتب