تدوينة: إشكاليات في التحرر وسجن المناضلين ...

سبت, 2015-10-17 12:13
المدون عالي ولد الدمين

أجدُ صعوبةً كبيرة فيما يخصُّ الاعتقاد بالقول الرائج حالياً، في فيسبوك عند البعض هنا. والذي مفاده أنَّه: كلما سُجن الأحرار المناضلين كانت إمكانية تحرّر وتغيّر البلد الذي يناضلون من أجله أكثر إمكانية للحدوث. باختصارٍ شديد، يُعلله مقام حاله، هذا تفسيرٌ غريب كُلياً، لا أجدُ مُبرراً واحداً لتصديقه. إنَّ الظلام لايزول بالظلام، وإنّ النور لايكون بالظلام. وهذا، تماماً، مايستبطنه هذا التفسير التعليليّ المُفرط التفاؤلية شعورياً في سياقٍ (كسياق واقعنا النزيفيّ!) مُظلم يبعثُ على اليأس والتشاؤم أكثر مايبعث على غيرهما. بل إننا، والحالة هذه، عندما نتأمل عُمقية هذا القول نجدُ به تبريريّةً لاواعية للظلم السلطوي السائد. هذا إذ أننا هنا، بشكلٍ لامُباشر، نمتدحُ سلوك التسلّط ذاك الإجراميّ المنعدم الشرعية.

صحيحٌ أنَّ سجن صاحب القضية، خاصةً وإن كانت ثوريّة، كما هي هنا، يرفع من فرص وحالات ذيوعها في الأوساط عامّة، وخاصةً ذلك الهامشي منها الذي يهمنا هنا: الشعب. وذلك طموحُ كل ثائر خالص. أيْ: أن ينتشر الوعي بقضيته، في الأوساط المعنيّة بها، الأمرُ الذي يجعلها (أي القضية النضالية) في دينامكية دائمة في الطريق إلى التحقق الأرضي الناجح. لكن ذلك (ويجبُ قول هذا بصوتٍ مرتفع دائماً) يجبُ أن لايؤدي بنا إلى التنازل عن هامش الحريّة الخاص بنا، بعدم الحفاظ عليه. وذلك الهامش الضئيل (قبل أن يخرج علينا مُصرّحٌ مدفوع الأجر لوجه التسلطيّة الصماء بإنجازات الجنرال في مجال الحرية) هو حقنا المشروع، ولكن الناقص، الذي يجبُ أن نستكملَ اتمامه بالنضال الدؤوب، والذي أيضاً حققناه لأنفسنا، عبر نضالات شعبنا التراكميّة مع السنين، قبل أن يوجد نظام الجنرال النحسي القدوم وجوقته المطبالتية المُهرطقة بإسرافٍ تضليليّ لامحتمل بإنجاز: الديموقراطيّة، في عهد الجنرال عوز. التي هي للحق ديموقراطية فخماتية زائفة موهومة، يُفندها الواقع في أبسط تجليّاته.

وحدها الحرية لايجبُ التنازل عنها، في أيِّ ظرفٍ تحتَ أيّ ضغطٍ أو تفسير تبريريّ في مسعاه الخطير اللاّواعي، كهذا التفسير الذي نحنُ بصدده هنا. الحرية حقٌ مشاع للجميع، هم في ذلك سواءٌ: المناضلون منهم بتشاركيّة مع الشعب في سبيل القضيّة الثوريّة، وعكسهم أيضاً، اللاّمناضلون. والمناضلون مع أنه يجبُ عليهم تقديم التضحيات الجسام، في سبيل قضيتهم العادلة دائماً، فإنه أيضاً يجبُ عليهم إدراج حق النضال عن حريتهم الهامشية (شِ فتْنَ عدنَ عاملينْ اعليه هون) بالدفاع في قائمة نضالهم ضدَّ السلطوية العسكرية، القبيلة، الفساد المالي الديني السياسي الجندري ..الخ. وهو هامشٌ (مع نواقصه) يحفظُ لهم كرامتهم الشخصيّة، المتجسدة في الحرية المفتقدة، ككائنات إنسانية أولاً. ويجعلُ إمكانية تأثيرهم وعطائهم، كمناضلين ثورييّن تالياً، أكثر وأقرب إمكانيّة واقعية. فعلينا إذاً بهامش حريتنا المتاح: نحفظه ونُوّسعه ونُدافع عنه دائماً، وإلا فإننا بعدم فعل ذلك نكون في توّهمٍ ديستوبيّ خطير مُهدّد لوجودنا الخاص، يُصاحبه استلذاذٌ وحنينٌ سيئان للتسلطيّة الاستعبادية الجاثمة على وجودنا حتى يوم الناس هذا.

نقلا عن صفحة الكاتب