الرئيس ترامب ورائحة خدمة المصالح الروسية

جرجيس كوليزادة

معلوم ان وصول الرئيس دونالد ترمب الى رئاسة الولايات المتحدة يشوبه الكثير من الشكوك والاتهامات بسبب ثبوت التدخلات الروسية في الانتخابات الامريكية لاقصاء المرشحة القديرة هيلاري كلنتون وابعاد الحزب الديمقراطيمن كرسي الحكم، وهنالك توقعات تشير الى عدم قدرة ترامب على اكمال فترة رئاسته حيث سيتم في نهاية الامر تقديمه الى المحكمة، والمثير ان فترة حكمه ترامب خلال االسنتين الماضية رافقه الكثير من المشاكل والازمات داخل ادارةالبيت الابيض، وقد قدم اكثر من عشرين مسؤولا امريكيا استقالاتهم للرئيس الامريكي بسبب الخلافات في الاراء والتوجهات والنهج الذي يسير عليه ترامب وهو بعيد عن القيم والمباديء الامريكية مثلما يذهب اليه الراي العام داخل الولايات المتحدة.

ومن غرائب الامور التي راقفت مسيرة حكم الرئيس ترامب ان تعامله في مجال السياسة وخاصة الخارجية تعتمد على المعاملات البيعية والشرائية التجارية، وكان الحدث اوالموقف السياسي بات سلعة يومية تستند في تقديراتهاالاساسية على المعيار المالي من ناحية قيمتها النقدية ومكانتها ببورصةالاحداث، ومواقف عديدة صادرة من ترامب اكدت هذا الاتجاه، وكثيرا ما تعامل بالبعدين التجاري والمالي مع الاحداث، حيث بات يحدد شروطا مالية مقابل استمرار الدعم او تاييد واشنطن لكثير من الدول في العالم، ومسألة مطالبة ترامب بتأمين التكاليف المالية مقابل ضمان الحماية الامريكية لدول الخليج خير مثال للسياسات الامريكية الجديدة الجارية في الشرق الاوسط، ولكن الغريب في الامر ان اغلب المواقف التي يعلنها الرئيس ترامب تأتي في صالح موسكو وفي جانب الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وكأن هنالك ربط عضوي بطريقة ما بين الرئيسين تم ارسائه في سنوات سابقة قبل الانتخابات، وهذا ما يستدل على ان روسيا واخيرا وبعد عقود كثيرة من الجهود الطويلة والعميقة تمكنت من كسب اول رئيس امريكي للعمل لصالح موسكو، ولاشك فان الممارسات التي يبديها ترامب ادلة واضحة على تدعيم شكوك هذه النظرة تجاه واشنطن وموسكو، وللاستدلال اكثر نورد الامثلة والوقائع التالية:

(1) ابداء وملاحظة مرونة كاملة من قبل الرئيس ترامب تجاه قضية الخلافات القائمة بين اوكرانيا وروسيا والتي تحولت الى حدث سياسي عادي لا يتسم بالقلق كما كان معهودا بها بالسابق وخااصة في ادارة الرئيس السابق اوباما، وكان الحدث مدار تداولات وتشاورات دائمة وعديدة بين رؤساء اوربيين والرئيسين الاوكراني والروسي.

(2) ابداء مرونة امريكية غير معهودة من قبل الرئيس ترامب في قضية ادامة استيلاء روسيا على جزيرة القرم الاوكرانية، وباتت روسيا تتعامل وكأنها صاحبة الحق على الجزيرة بينما هي بالاساس مقاطعة اوكرانية تعاملت موسكو معها على اساس مصالح حربية وعسكرية وامنية مخترقة كل الحقوق الدولية والاممية والانسانية.

(3) ابداء الصمت من قبل ترامب تجاه السيطرة الروسية الكاملة على النظام السوري وعلى الاراضي الخاضعة للقوات الحكومية في دمشق، وكأن موسكو مخول تماما من قبل واشنطن ومن قبل البيت الابيض بفرض سيطرتها التامة على بلاد الشام بعيدا عن مراعاة المصالح الدولية في سوريا وبعيدا عن ارادات شعوب ودول المنطقة.

(4) سماح الرئيس ترامب بتنامي النفوذ الايراني في سوريا توازيا مع السيطرة الروسية على نظام دمشق، وكأن الساحة متروكة لاحتضان مصالح روسية وايرانية دون مراعاة للحسابات والمصالح الاقليمية والدولية على اراضي سوريا.

(5) سماح الرئيس ترامب بتزايد قوة التحالف الثلاثي من روسيا وايران وتركياعلى الساحة السورية، وذلك لفرض اجنداتهم الاقليمية على الاراضي والفصائل المسلحة، وترك الساحة لهذه الدول تماما باللعب عليها حسب مصالحهم السياسية والاقتصادية والمحلية والاقليمية والدولية.

(6) تشديد رئيس الولايات المتحدة على توجيه سياسة واشنطن في سوريا فقط باتجاه واحد وهو محاربة تنظيم داعش الارهابي من خلال التحالف مع قوات سوريا الدديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكوردي، والتعامل مع هذه القوى بشكل تعاقد وترك الساحة مفتوحة للفصائل المدعومة من قبل انقرة وطهران وموسكو، مسائل مشكوك فيها وكأن ترامب مكلف بناءا على امر من بوتين فقط بمحاربة داعش لتسهيل مهمة روسيا في فرض سيطرتها العسكرية والسياسية على سوريا بعيدا عن الحسابات الدولية الخاضعة لحلقة العلاقات الاستراتيجية بين وانشطن وموسكو.

(7) استغلال قضية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي وطرح شروط جديدة على دول الخليج، وفرض اوضاع مالية واقتصادية ونفطية مشروطة على الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وكذلك على الدول الاعضاء في منظمة اوبك النفطية، لاستغلالهم وفق مصالح ترامب على الساحة الدولية،وتسهيل مراعاة المصالح الروسية في الخليج وفي مناطق اخرى من العالم، وتقليل او ازالة النفوذ السعودي في سوريا واليمن، مؤشرات واضحة تشير الى ان ترامب يسير باتجاه خدمة المصالح الروسية في المنطقة.

(8) اقدام الرئيس ترامب على لعب لعبة ماكرة مع تركيا بخصوص قضية الخاشقجي، ومحاولة تسيسها واستغلالها واستثمارها لجني مصالح مالية واقتصادية ونفطية شحصية ودولية من المملكة السعودية ومن دول الخليج، والتهديد بدعم وتصعيد النفوذ الروسي في المنطقة، والسماح بتمديد النفوذينالتركي والايراني المحسوبين على موسكو، والسماح لانقرة باستخدام ورقة الخاشقجي كورقة ضغط على الازمات الداخلية والخارجية لمنظومة دول الخليح لصالح تركيا ولمنفعة اطراف اقليمية ودولية.

(9) تفشي ظاهرة العمل لدول اجنبية داخل ادارة الرئاسة الامريكية وخاصة داخل البيت الابيض، وخرق هذه المواقع السيادية من قبل اجهزة ومخابرات تابعة لاطراف دولية، باتت مسألة ملفتة للنظر على كافة الاصعدة السياسية والامنية والعسكرية والدولية، وكشف عملية الانتماء المخابراتي لمستشارين داخل البيت الرئاسي الامريكي لصالح انقرة، كان النموذج الصارخ في ذروة الخروقات الحاصلة لدى قمة مركز صناعة القرار الامريكي.

(10) العدد الكبير من استقالات كبار المسؤولين داخل البيت الابيض من المستشارين والوزراء ومنهم وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع الحالي، وقد وصل عديدهم الى اكثر من عشرين مسؤولا، هذا العدد الكبير من الاستقالات وفي ولاية رئيس واحد يوحي بوجود اشكالات كبيرة وارتبكات عديدة داخل ادارة البيت الابيض، ولا شك ان هذا الارتباك ليس في صالح الولايات المتحدة وانما هو في صالح روسيا بشكل واضح واكبر مستفيد هو الرئيس بوتين للتحكم بمصيرر واتجاهات قرارات الرئاسة الامريكية.

(11) الاهتمام الخاص من قبل الرئيس الامريكي بالرئيس الدكتاتور الشاب لجمهورية كوريا الشمالية وتبني اللقاء به في ظروف لم تحصل الولايات المتحدة فيها على مكاسب ايجابية، بينما في مقابل ذلك حصلت روسيا على منافع جيوسياسية وامنية حيث تم ابعاد التوتر من شبه الجزيرة الكورية، وفي عين الوقت تم تسويق الدكتاتور الشاب الحلبف لكل من موسكو وبكين على الصعيد العالمي على يد ترامب.

(12) صدور القرار المفاجيء من قبل ترامب بانسحاب القوات الامريكية من شمال سوريا وترك الساحة تماما لصالح تركيا وروسيا، وتعريض الشعب الكوردي في روزاوا الى مجازر ومخاطر ابادة من قبل الرئيس اردوغان وقواته المسلحة وفصائل المرتزقة السورية التابعة له، ويبدو كأن امر الانسحاب صادرمن بوتين وليس ترامب لان بهذا القرار سينتهي تماما النفوذ الامريكي في سوريا وبذلك سيخضع البلد كاملا للسيطرة الميدانية التركية والروسيةوالايرانية، وبهذا تسلم سوريا على طبق من ذهب الى اردوغان وبوتين.

هذه باختصار حقائق مرة مرتبطة بالنهج والسياسة المثيرة التي يمارسها الرئيس الامريكي دونالد ترامب تجاه بلاده وتجاه شعوب ودول العالم وخاصة في الشرق الاوسط، وهي سياسة متسمة بالغرابة لدى الكونغرس ومجلس النواب وداخل المجتمع السياسي ولدى الراي العام الامريكي، سياسة لا يشم منها غير رائحة خدمة مصالح روسيا بشكل واضح بالطريقة المتبعة من قبل ترامب في ادارة البيت الابيض، ولهذا لا تستبعد توقعات متابعين ان يكون الرئيس ترامب عميلا لبوتين ومجندا وملزما بخدمة المصالح الروسية، وذلك لقاء ايصاله الى الرئاسة الامريكية، ويبدو ان موسكو قد تقوت وتبنت هذا الامر بدافع تمرير الخطط التي تديرها المافيات السياسية والمالية والاقتصادية والنفطية الروسية التي بدأت تغزو العالم، وكل ذلك برعاية واشراف ورئاسة رجل المخابرات كي جي بي الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن مع هذا ومن باب الجدل نطرح السؤال التالي: هل بالمقدور لاي طرف دولي مقتدر اختراق الرئاسة الامريكية بهذه السهولة ويؤتى برئيس في عز الظهر ليعمل في خدمة مصالح دولة أجنبية !؟، كما هو حاصل للرئيس ترامب في خدمة روسيا وتركيا في آن واحد، وهل يعقل لهذا الرئيس ان يقدم على بيع الولايات المتحدة وتعريض مصيرها ومصالحها الى المخاطر والاهوال الجسيمة، وهل يعقل ان تصل روسيا الى هذا المستوى المتقدم جدا من التجنيد المخابراتي العالي الدقة، انها مجرد اسئلة وتحليلات افتراضية نأمل ان لا تكون حقيقية وواقعية وذلك لان بمجرد تزعم روسيا للعالم ستفنى البشرية والحياة على الارض.

إيلاف

اثنين, 24/12/2018 - 11:41