ٱخر معارك الرئيس...

البشير ولد عبد الرزاق

لم يتفق الساسة الموريتانيون على شيء، مثلما اتفقوا على حب السلطة والغرام بها حتى الصبابة، والتمسك بها إلى الرمق الأخير، فكل الذين حكموا البلاد خلال العقود الماضية، ودون استثناء، كان يجمعهم أمر واحد، حب السلطة والشغف بها والبحث عن أي سبب للبقاء فيها لحد التعفن،
ومن أجل إشباع غرائزهم ورغباتهم تلك، كانوا يأخذون البلاد معهم إلى حافات الكارثة والانهيار، ويعطون ألف سبب وجيه للعسكر لكي ينقلب عليهم، ويرسل البلاد إلى مناطق مليئة بعلامات الاستفهام والتعجب، تكرر هذا الأمر عدة مرات، وتحول إلى صفة وسمت التاريخ السياسي المعاصر للبلاد،
وحين قام الموريتانيون منذ عدة سنوات، بتحديد المأموريات الرئاسية باثنتين، إنما كانوا في الواقع يريدون تجربة ممرات سياسية أخرى تكون سالكة وأكثر أمنا، من تلك التي أدت بهم دائما إلى النهايات المفزعة، لكن مع مرور الوقت، قلة قليلة فقط منهم، هي التي بقيت تصدق أن هذا الأمر ممكن،
حتى مساء 20 أكتوبر 2016، لم يكن أحد من بين أقرب المقربين، ليتصور أن الرجل سيقاوم إغراء المأمورية الثالثة، فالسيناريو كان شبه جاهز، مع أنه لا يحتاج أصلا لخيال خصب يهتدي إليه، لأنه يحدث يوميا من حولنا:
مبادرات شعبية تطالب الرئيس بالترشح لمأمورية ثالثة، شلة من "الصيع" تعتبر نفسها غيورة على مصلحة البلد، واستفتاء فج، يفضي إلى نتيجة سوفيتية تتجاوز ال90 في المائة، وبالمحصلة تجد البلاد نفسها مرة أخرى على الحافة، في انتظار أن يأتي عسكري آخر ويختطفها،
لكن الرئيس ولد عبد العزيز فعلها وفجر مفاجأة وطنية من العيار الثقيل، عندما رفض كل هذا الإغراء، وأعلن أنه سيحترم الدستور وأنه لن يسعى إلى مأمورية ثالثة،
نخطئ كثيرا، لو اعتقدنا أن موقف الرئيس كان وليد الصدفة أو ابن اللحظة التي أعلن فيها، على العكس تماما، كان على الرجل أن يقطع مسافات طويلة وأن ينتصر على أشياء كثيرة، في معركته تلك، قبل أن يقدم على ما أقدم عليه:
كان على ولد عبد العزيز أن ينتصر أولا على غرائزه وينقذ نفسه منها، فالغرائز هي أكبر عدو واجه الإنسان في جميع الأوقات، ف"الوبالات" و"الضحالات" التي اكتظ بها تاريخ البشرية، اختبأت وراء كل واحدة منها غريزة طافحة، جعلت صاحبها يرتكب حماقة في لحظة ضعف إنساني،
يلتفت ولد عبد العزيز يمينا وشمالا، فلا يرى في قصره سوى آثار رجال تمسكوا بالسلطة حتى الرمق الأخير، لم يكن هناك مثال واحد يحتذي به الرجل، هو من كان يجب عليه أن يتحول إلى المثال والقدوة، لا شك أنه سأل نفسه في خلواته العديدة، لماذا أنا بالذات؟ فلم تكن المسألة سهلة في بلد تاريخه السياسي، مليء بالجماجم الصغيرة، والحشائش الضارة، التي نبتت في كل الأماكن والأزمنة،
كان على ولد عبد العزيز أن ينتصر كذلك على أتباعه من السياسيين اليافعين والدهماء، الذين ظلوا يلاحقونه حتى اللحظة الأخيرة، ونصبوا منصات للتهريج في كل شبر من الوطن، لحثه على التمسك بالسلطة والبقاء فيها.
لقد انتصر ولد عبد العزيز على نفسه أولا ثم انتصر على كل أولئك الذين مر بهم وهو في طريقه إلى ذرى المجد، اختلفنا مع الرجل أو اتفقنا معه يجب أن نعترف بأنه انتصر، ويجب أن نحتفي معه بهذا النصر، حتى لا يفسده علينا صغار الساسة ومهرجو الجمهورية، فالرجل ببساطة قد انتصر، فعلا انتصر، حيث أخفق الكثيرون،
(القائد النبيل لا يلتحق بغرائز أتباعه، بل يخلصهم منها ويغسل جميع أدرانهم)....

...................................

نقلا عن صفحة الكاتب 

أحد, 23/09/2018 - 19:21