مصر: السفير معصوم .. مبادرة خريف العمر

ياسر رافع

فى المجالس العرفيه فى الريف المصرى يعمد القضاة العرفيين على إتمام إجراءات معينه قبل البدء فى عملية الفصل بين المتخاصمين ألا وهى إقرار كلا المتخاصمين بشرعية المجلس العرفى وقضاته ، وكذلك الإقرار بالإلتزام بما سيسفر عنه حكم القضاة  والتى تنتهى فى غالب الأمر بالمصالحه بين الخصوم على قاعدة الإقرار بالذنب وقبول العقاب ثم يعقب ذلك الإجراء الأهم وهو المصالحه بين طرفى النزاع على خلفيه القبيله والعائله والأهل وأن الخصام أو النزاع هو عرض زائل وأن الباقى هو الحب والموده . من هذا المنطلق يمكن فهم مبادرة السفير السابق ” معصوم مرزوق ” العضو فى التيار الشعبى المصرى المعارض للخروج من نفق الأزمه السياسيه والإقتصاديه فى مصر ، حيث طرح تسع نقاط لتكون بمثابة ” خارطة طريق ” للخروج من نفق الأزمه بعد ديباجه ومقدمه طويله لا تعدوا كونها تعريف بشخص قاضى عرفى بلغ من العمر مبلغه ولم يعد أمامه إلا النصيحه فى الوقت الذى لا يملك فيه القدره على تنفيذ ما يريده على طرفى الخصومه السياسيه فى مصر ” نظام ومعارضه ” .

 فقد جاءت المبادره كإعادة إحياء لمقترح قديم فى أواخر نظام الرئيس السابق ” حسنى مبارك ” على يد الأستاذ الكبير الراحل ” محمد حسنين هيكل ” والقائل بتشكيل مجلس رئاسى لإدارة مرحله إنتقاليه ولإدارة شئون البلاد فى مرحلة ما بعد مبارك حتى تتجدد الحياه فى مصر وتجرى دماء جديده فى شرايين الحياة السياسيه والإجتماعيه تحاول التغلب على إنسداد الأفق لدى الشعب من أجل مستقبل جديد . وكما مجلس هيكل الرئاسى ، كان مجلس معصوم الإنتقالى ولكن مجلس معصوم الإنتقالى جاء محملا بنقاط وخطوات واضحه للتنفيذ ولكنها قائمه على توهمات كبيره لا تصدر إلا من قاضى عرفى فى الريف المصرى توهم أن طرفى الأزمه السياسيه نظام ومعارضه قد إرتضوا الجلوس على طرفى مائدة التفاوض وعليه فقد إنبرى يطرح فكرته على قاعدة ” العصا والجزره ” لقاضى عرفى قادر على تنفيذ فكرته ولهذا كانت الجزره التى لوح بها فى يده هى تسع نقاط حالمه جدا إلى أبعد الحدود تناسب رجل حيل بينه وبين المستقبل ، رجل لم يستوعب بعد أحداث ما بعد 25 يناير وما تلاها إلى الأن ، وصيحه تحذير أخيره كانت هى العصا التى على ما يبدوا أنه قد تجاوز بها حدود القدره لقاضى العرفى .

إن مبادرة السفير معصوم من المبادرات التى نراها كثيرا تنطلق من أناس يتصورا فى لحظة ما بأنهم قادرون على حل الأزمه بطريقه سلسله وبسيطه وأن كاريزما المنصب ستعطى له زخما ولمعانا لدى كلا الطرفين قادر على تمرير المبادره . وهذا هو لب أزمة المبارده التى بالقطع لن يتوافق عليها أحد لأنها حالمه جدا وغير منطقيه سواء من جانب النظام أوالمعارضه ، فالمبادره تنطلق من تسع نقاط صاغها حالم أكثر من سياسى محنك ففى البند الأول : يطلب من رئيس الجمهوريه الدعوه لإستفتاء شعبى للإجابه على سؤال محدد وهو ” هل تقبل استمرار نظام الحكم الحالي في الحكم؟ ” . ثم ينطلق السفير معصوم إلى البند الثانى دونما شرح لكيفيه إجبار رأس النظام السياسى على تقبل هذا البند . ولهذا فالبند الثانى يقول : إذا وافقت الأغلبيه (50+1) فيعتبر ذلك بمثابة إقرار من الشعب بصلاحية هذا النظام ” ووجب على الجميع احترام هذا الخيار” .

ثم يأتى البند الثالث وهو بداية الحلم حيث يقول : إذا كانت الإجابه بالرفض (50+1) فإن تلك النتيجه تعتبر ” بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحالي، وتنتهي ولاية الرئيس الحالي ويعتبر مجلس النواب منحلا، وتعلن الحكومة القائمة استقالتها، ويتولى أعمال الحكم والتشريع مجلس انتقالي يكون مسؤولا عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام ” ، هنا ظهر المجلس الإنتقالى وعليه فقد إنتقل السفير معصوم سريعا لتوضيح طبيعه ذلك المجلس وطريقة تشكيله وينطلق شارحا لطبيعة هذا المجلس وطريقة تشكيله وعمله والقواعد المنظمه له على مساحة البند الرابع والخامس والسادس على التوالى . 

إلى هنا وليس هناك  بجديد يثير الإنتباه حتى البند السابع الذى على ما يبدوا أن كاتبه تاثر أو يريد تقمص شخصية الفريق ” سوار الذهب ” فى السودان ولكن بدون قدره على التنفيذ ، حيث يقول فى البند السابع : ” بمجرد بدء ولاية المجلس الانتقالي يتم إصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصينا قضائيا كاملا لكل من تصدي لمهام الحكم والتشريع ما بعد 25 يناير 2011 وحتى بداية ولاية المجلس الانتقالي ” وكذلك ” تقنين لأحكام عدالة انتقالية في الحقيقة والمصارحة والمصالحة، والإفراج الفوري عن كل المحبوسين في قضايا الرأي، وتعويضات عادلة ومجزية لكل ضحايا هذه الفترة بواسطة لجنة قضائية مستقلة يحددها المجلس الأعلى للقضاء، وتعمل تحت إشرافه. ” وهنا يتبين لنا أن المبادره لا تعدوا كونها جزره يحاول بها ” معصوم ” إسالة لعاب نظام يتصوره سيفرح بمجرد أن يسمع بأنه لن يحاكم من قبل الشعب ولا المجلس الإنتقالى .

ثم يأى البند الثامن ليحدد صلاحيات المجلس الإنتقالى التشريعيه ومراجعة كل القوانين والإتفاقيات الدوليه التى ابرمها النظام السياسى وهو فى الحكم . ويأتى البند التاسع مكملا للبند الثامن حيث يقول بإقرار دستور جديد والإستفتاء عليه بعد مرور عام كامل من حكم المجلس الإنتقالى .

ومع إنتهاء البنود التسعه فى مبادرة معصوم يبدوا أنه تذكر العصا التى سيجبر بها النظام السياسى على تقبلها فنراه يقول ” فإذا اختارت سلطة الحكم عدم الموافقة على هذا النداء، فعليها أن تتحمل نتائج الانسداد الكامل في الأفق السياسي وما يمكن أن يترتب عليه، وفي هذه الحالة يتم عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية، وذلك من بعد صلاة الجمعة يوم 31 أغسطس 2018 وحتى الساعة التاسعة مساء نفس اليوم، يحضره كل من يوافق على ما تضمنه هذه النداء، وتنسق له لجنة يتم تشكيلها من أحزاب المعارضة المصرية، وتكون سلطات الأمن مسؤولة عن توفير التأمين والحماية اللازمة للمؤتمر.” . 

يا الله إنها جزره تعيد إنتاج نفس الشعارات والأماكن دونما تغيير ، مؤتمرات حاشده !!! وكلمات ودعوات وكأننا لدينا فرصه للتريض فى الميادين .إنها جزرة الحالمين على شواطئ الكاريبى والقاعات المكيفه .

هذه المبادره إجمالا تعبير فج عن آليه عمل المعارضه المصريه التى تتنظر دوما ما يتساقط من النظام السياسى لتقتات عليه وليس لديها القدره على مجرد تنظيم نفسها.. وأن الحديث عن تلك المبادره وبهذا الشكل يدرك أن المجتمع قد تجاوزها ليس بأفكارها ولكن بمجريات الأحداث على الأرض .

هذه المبادره حتى وإن كانت فرديه بالأساس إلا أنها تحمل ملامح الشيخوخه بين قسماتها تجاوزها شباب المجتمع فى 25 يناير وما تلاها ، ولهذا أرى أن لا تسمى مبادره بل تسمى صيحه قاضى عرفى حالم بالمصالحه بين طرفى أزمه . إنها تناسب رجلا فى خريف عمره لم يستطع قراءه مجتمعه قراءه صحيحه وتخيل أن المعارضه المصريه متجانسة العناصر ولم يدرك الشرخ العميق بين أطرافها .

رأي اليوم

أربعاء, 08/08/2018 - 10:54