إن تنكر كل جهة لدورها، وكل مسؤول لمسؤوليته في مشكل حوادث السير، لن يحل هذه المشكة ولن يزيدها إلا تعقيدا وتفاقما، وسيزيد عدد الضحايا لا قدر الله.
صحيح أن السلطة ـ أي سلطة ـ مسؤولة عن تنظيم الناس، وتطبيق القانون، ورقابة السرعة والحمولة وعدد الركاب، وعن فحص السيارات ومراقبة إضاءتهم ومكابحهم الخ، وعن تعبيد وصيانة الطرق، واستصدار الرخص، كما أنها مسؤولة عن التأمين ـ ذلك القطاع الفاشل النهّاب دون مقابل.
لكن ما هو دور المواطن العادي، ودور النخبة؟ وما هو دور السياسيين والإعلاميين وأئمة المساجد والمربين معلمين وأساتذة في هذا المشكل؟ وكيف سيقوم الجميع بدوره في التوعية وفي الرقابة الذاتية؟
قبل ثلاث سنوات كدت أطوي ملف هذه الحياة ـ لولا أن الله سلم ـ ومعي طفل صغير هو ابن اختي، وذلك لما كنت أسوق "هليكس" على طريق بوتيلميت ـ نواكشوط، فتفاجأت بسيارتين تتجهان صوب العاصمة وبسرعة فائقة وبطريقة لا يمكن تفاديهما لأن إحداهما تحاول تجاوز الأخرى في مرتفع يمنع التجاوز عليه، فبادرت بترك الطريق لهم، ولحسن الحظ أن سيارتي كانت رباعية وأسير بسرعة عادية حوالي 80 كلم/ للساعة فقط، مجرد مثال على نمط التهور الذي يقع فيه البعض!
لماذا يرضى كثيرون منا أن يركبوا سيارة ذات حمولة زائدة، بل أن يشحنوا هم أنفسهم أمتعة زائدة، ويركبوا مع العدد المحدد من الأشخاص ليصبح زائدا؟
لماذا نذهب نتوسط في استصدار رخص السياقة لمن لم يتعلم السياقة، بل إن بعضنا يدفع رشاوى من أجل ذلك؟ لماذا نقبل أن يتجاوز بنا السائق السرعة المطلوبة، بل نضغط عليه بعض الأحيان ليزيد؟ لماذا نقبل أن نركب سيارة بلا أضواء مكتملة؟ أين مواقفنا تجاه شركات التأمين ونهبها دون مقابل مفيد؟ لماذا لا نسعى لمحاولة تشريع جديد ـ على مستوى الفقهاء والأئمة، وعلى مستوى البرلمان بخصوص الديات، وبخصوص التعويض سواء تعلق الأمر بالتأمين أو غيره؟ أين حملات التحسيس وجهوده بخصوص نظام السير وخطورة مخالفته؟
بخصوص السلطة، ما هي آخر مرة ترونها تفتش الإضاءة وتراقب المكابح مثلا؟ ألا تمر عليها يوميا عشرات الحافلات والسيارات تحمل حمولة زائدة دون توقيف؟ هل وضعت أو حاولت وضع آلية مجدية لرقابة السرعة؟ هل يقوم النافذون ـ بل واغلبنا ـ بوساطات لإطلاق سراح السيارات المخالفة أم أننا نلتزم بالقانون؟ وهل رجل السلطة ينفذ القانون على الجميع أم على الضعفاء فقط؟ وهل يأخذ رشاوى مقابل السماح لمخالفين بالمرور؟ أم أنه ينفذ العقوبات بتجرد؟ وهل هو بمنأى عن العقوبة إن كان صارما تجاه الجميع أم أن أي نافذ يمكن أن يحوله إثر محاولة تطبيق القانون ضده؟
أما الطرق فلا يكفي مقال واحد ولا تدوينة لوصف واقعها، خاصة طريق "الامل" وخصوصا مقطع الخطر الدائم تقريبا "نواكشوط ـ بوتيليميت"، ولا للتطرق لفساد الصفقات المتعلقة بها، ويكفي فقط إلقاء نظرة على كثيرين أثروا بسببها خلال فترة وجيزة، وعلى مصير شركة الصيانة "أنير" التي تمت تصفيتها لطمس آثار جرائم النهب، كما حصل مع سونمكس وغيرها. ألا يكفي عارا أن نرى طرق معبدة (كدروهات) تتهالك خلال سنتين، وسنة ونصف؟ أي معايير هذه؟
إن مشكل حوادث السير يمر عبر محاربة فساد صفقات الطرق، وعبر التحقيق في إفلاس شركة الصيانة، وعبر إصلاح أجهزة الأمن والسلطة التي تراقب الطرق، وتمنح الرخص، وتفحص السيارات ـ افتراضا ـ ولكنها تأتي أيضا عبر تحمل كل منا مسؤوليته، خاصة السائقين خلال تقلدهم لأمانة المحافظة على أرواح الأشخاص أثناء القيادة، وكذلك مسؤولية كل فرد منا في الوساطة في رخصة سياقة، أو اخلاء سبيل مخالف للقانون بسرعة زائدة أو حمولة مضاعفة، أو إنارة مفقودة، إنها مسؤولية مشتركة ومعقدة وكبيرة، ولا يكفي طرف عن طرف، مع ملاحظة أن السلطة هي صاحبة الدور الأبرز، فدورها هو عقاب الجاني وتطبيق القانون، وتنظيم الناس، والمحافظة على أرواحهم وأموالهم.
........................
نقلا عن صفحة الكاتب











