اتجهت حركة النهضة إلى أسلوب التخويف والتهديد، بعما لوّحت بإعادة الانتخابات البرلمانية، من أجل الضغط على الأحزاب السياسية ودفعها إلى مشاركتها في تشكيل الحكومة المقبلة أو المصادقة على الحكومة التي ستشكلها.
وتعيش حركة النهضة ورطة واضحة ومأزقا حقيقيا، بعدما وجدت نفسها لأول مرة مسؤولة على تشكيل الحكومة المقبلة لتونس باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، وإعلان أغلب الأحزاب عدم التحالف معها وبقائها في المعارضة، مما سيجعل من مهمة تجميعها لأغلبية برلمانية مريحة تضم أقل شيء 109 نواب، لتأمين الحصول على مصادقة البرلمان بالأغلبية على الحكومة جديدة، أمرا صعبا.
وأعلنت حركة النهضة في بيان إلى الرأي العام، الخميس، أنها أجرت العديد من الاتصالات الأوليّة مع أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنيّة قصد التشاور وتبادل وجهات النظر حول المبادئ والأسس والبرنامج الذي سيقوم عليه التشكيل الحكومي المقبل، لكن تصريحات قياداتها تشير إلى أن اتصالاتها لم تلقَ تجاوبا من الأحزاب الأخرى خاصّة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
حكومة قادمة
وفي هذا السياق، لوّح قادة من حركة النهضة بإمكانية إعادة الانتخابات البرلمانية، في حال الفشل في التواصل إلى توافق لتشكيل الحكومة القادمة، وهو تهديد للأحزاب الصاعدة في البرلمان، بإمكانية خسارتهم للمقاعد التي تحصلوا عليها، وفيه محاولة لدفعهم لتليين مواقفهم في ما يخص التحالف مع النهضة لتشكيل الحكومة القادمة.
وأوضح عضو مجلس شورى الحركة ناجي الجمل في تدوينة عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، الخميس، أنّ "إعادة الانتخابات أقلّ كلفة على تونس من خمس سنوات عجاف"، وهو موقف دعمّه القيادي في الحركة فتحي العيادي، الذي أكدّ في تصريح صحافي، أن "النهضة لا تخشى إعادة الانتخابات في حال اقتضى الأمر ذلك"، مشيراً إلى أن إعادة الانتخابات "ستمنح شرعية أكبر للحركة".
التنصل من المسؤولية
وفي تصريح "للعربية.نت"، رأى المحلّل السياسي عبد الرحمن زغلامي، أنّ مثل هذه التصريحات "تدّل على المتاعب التي تواجهها حركة الهضة في تشكيل الحكومة المقبلة بعد رفض أهمّ الأطراف السياسية مشاركتها فيها وإعلان انضمامها للمعارضة، توازيا مع ضغوطات تقودها المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد التونسي للشغل للتسريع في تشكيل الحكومة"، مضيفاً أن تلويحها أو تهديدها بإعادة الانتخابات هو تخويف لهذه الأطراف باحتمال حلّ البرلمان وبالتالي خسارة المقاعد وفقدان المكاسب التي حصلوا عليها وكذلك التنصلّ من المسؤولية ووضع هذه الأحزاب في خانة المتهربين من المسؤولية التي حمّلها لهم التونسيون".
موقف ضعف
ويعتقد زغلامي أن لا ترضخ هذه الأطرف السياسية لهذه التهديدات، لأنّ النهضة في موقف ضعف الآن، كما يستبعد أن تخاطر النهضة بإعادة الانتخابات، خشية من خسارة مكانتها ومقاعدها ومرتبتها الأولى في البرلمان، باعتبار أنها ستصبح بمثابة الحزب الفاشل في تشكيل الحكومة، حتى وإن اضطرت إلى قبول مقترح تشكيل حكومة كفاءات لا تكون ممثلة فيها.
وأضاف المتحدّث نفسه إلى أن النهضة ركزت في مفاوضاتها الأخيرة مع كتلة "ائتلاف الكرامة" وحزب "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، ولكنها تجد صعوبة في تجميعهم بسبب تناقض توجهاتهم الأيديولوجية خاصة بين "ائتلاف الكرامة" و"حركة الشعب"، وكذلك صعوبة في الاستجابة للشروط التي وضعها حزب "التيار الديمقراطي" للانضمام إلى الحكومة وهي الحصول على وزارات السيادة، و"كل ذلك يحول دون الوصول إلى اتفاق قريب".
انطباع إيجابي
وأشار زغلامي إلى أن النهضة ستسعى بكل الطرق إلى الحفاظ على صورتها في الخارج التي تبنيها منذ سنوات وإعطاء انطباع إيجابي عنها كحزب مدني منفتح على التيارات الأخرى، وبالتالي فقد تسعى إلى البحث عن شريك استراتيجي للتحالف معه والحكم من وراء الستار، ولم يبق لها إلا حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد "تحيا تونس" الذي ستحاول استقطابه وإغراءه ببعض الوزارات رغم إعلان انضمامه إلى المعارضة، خاصة بعد تأكيد نبيل القروي على استحالة تحالف حزبه "قلب تونس" معها، ورفض "الحزب الحر الدستوري الجديد" التعامل مع النهضة.
وحسب الدستور التونسي، إذا فشل البرلمان الجديد طوال شهرين في المصادقة على تشكيلة حكومية تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، فعندها يكلف رئيس الدولة شخصية ثانية من خارج هذا الحزب، وإن فشل في الفوز بثقة أغلبية النواب في ظرف شهرين يحل البرلمان، وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.
العربية نت