نوفمبر عاد

اقريني امينوه

أحب شهر نوفمبر؛ وليس في الأمر علاقة بالوطنية بالمفهوم الإنتمائي؛ أحب هذا الشهر لجموحه نحو الصقيع؛ لعناقه الطقسي للضباب؛ فأنا "جنوب يحن إلى الصقيع".
أحب شموخه؛ وكرهه للعرق النازف شلال معاناة منذ يوليو؛ حيث يدخل السؤال عن الحر في قاموس تحيتنا المتدثرة بشمس الصحراء الحارقة.
في هذا الشهر البهي؛ يحتفل باعة الرصيد بطقس "جزر الكناري" الذي يحل ضيفا مجانيا عليهم؛ دون أن يجربوا ركوب الطائرات؛ يتبادلون أطراف الحديث على إيقاع كؤوس "الذهبي"، يفتخرون بأمجادهم الشخصية المترعة بـ"بونيس" الحكايات البعيدة؛ حيث الأهالي ينتظرون عودة الابن الذي ابتلعته مدينة نواكشوط التي تُنسى الغرباء وجوه أحبتهم.
في شهر نوفمبر؛ تلد معزاة الجارة الطيبة، وتوزع المذق؛ بكرم حاتمي لبائعي النعناع؛ مساهمة منها في تشجيع التقارب الاجتماعي بين مكونات المجتمع الواحد.
في نوفمبر؛ تدب الحياة فجأة في مقر المحاربين القدامى؛ وتزدهر الذاكرة الحرون لتستدعي حكايات الجنود عن الحرب الأليمة والوحيدة في تاريخهم العسكري، التي لم يبق من ذكراها؛ غير جرح غائر في الذاكرة؛ وبسمة جندي استشهد حين كان يفكر في العودة لوطن؛ ليعود إليه جثة هامدة في تابوت خشبي، نسي معده أن يلونه بالنجمة والهلال المذهبين.
في نوفمبر تصاب شركات الاتصال بلوثة وطنية طفيفة، فتعلن عن زيادة مفاجئة في بطاقات التزويد؛ دون أن تنتبه أن نصف الشباب يربي الأمل وينتظرون الحصول على أول راتب في حياتهم.
في نوفمبر، أستمتع بنصف يوم عطلة؛ فأستلقي كأغنية يا "موريتان أعليك أمبارك الاستقلال" وأكتب هذه السطور عربون وطنية لمن أحب.. موريتانيا الأصيلة.

سبت, 30/11/2019 - 20:58