نشرت صحيفة "الاقتصادي" المتخصصة التي يصدرها مركز "الصحراء" للدراسات والاستشارات كل نصف شهر في عددها الأول الصادر يوم أمس الخميس ملفا شاملا عن أسعار المحروقات في موريتانيا خلال العام 2012.
وفيما يلي نص الملف -مدعوما بالرسوم البيانية المرفقة كصور في مكانها المناسب- كما نشرته الصحيفة:
ارتفعت 8 مرات خلال العام المنصرم
"الاقتصادي" تفتح ملف الصعود المذهل لأسعار المحروقات
شهدت سنة 2012 ارتفاعا مطردا في أسعار الوقود، حيث تم رفع أسعار المازوت والبنزين 8 مرات بمعدل 6 أوقية للتر في كل زيادة؛ حيث تطورت أسعار المازوت من 330,9 أوقية للتر إلى 375,5 وهو ما يعادل 13% من سعره الأصلي، وفي هذا العرض نتطرق لتطور أسعار المحروقات خلال سنة 2012 عبر إيضاح كيفية تموين البلاد بالمحروقات، متوقفين مع عدد من محددات هذه الأسعار؛ كما نتعرض أيضا لأهم العوامل المؤثرة في سعر المازوت 2012 حيث نبرز في هذا السياق سياسة المؤسسات الدولية في مجال دعم قطاع الطاقة، وفي الأخير تورد سردا للأسعار في المدن الداخلية بموريتانيا وأسباب تغير الأسعار فيها.
تطور أسعار المحروقات خلال سنة 2012
رسم بياني يقارن بين سعري الشراء والبيع خلال العام 2012يفصل الرسم البياني (انظر الصورة) تطور أسعار بيع المازوت 2012 مقارنة مع تطور سعر الاستيراد؛ ورغم تردد أسعار النفط العالمية وبالتالي سعر الاستيراد الذي يرتبط بها بصفة مباشرة استمرت أسعار الوقود في الارتفاع، فقد شهدت السنة 2012 فترتين مهمتين في انخفاض البترول من فبراير حتى يونيو ثم من أكتوبر حتى نهاية السنة إلا أن المواطن الموريتاني لم يلحظ بأي تأثير لتلك على سعر الوقود في بلده.
ويرجع السبب الرئيسي لهذه الزيادات إلى سياسة نقص الدعم التي انتهجتها الحكومة مؤخرا؛ فمنذ ابريل 2012 انتهزت السلطات فرصة التراجع الحاد الذي حدث في أسعار النفط العالمية من أجل خفض الدعم بل وحتى إلغائه في بعض الأحيان، حيث تحول الدعم الحكومي إلى زيادة في السعر كما هو الحال في الزيادة الأخير التي يمثل الهامش منها 7 أوقية.
تموين البلاد بالمحروقات
منذ إيقاف الإنتاج في مصفاة انواذيبو أواخر التسعينات من القرن الماضي أصبحت موريتانيا تعتمد في تأمين حاجياتها من المواد البترولية اعتمادا كليا على الاستيراد المباشر، وبعد المرور بمراحل كثيرة من التسيير وصلت السلطات الموريتانية إلى الصيغة الحالية في الاستيراد المتمثلة في إقامة عقد مع مستورد وحيد مخول بالبيع لشركات التوزيع وكبار المستهلكين.
ويعد الوقود من أكثر البضائع أهمية في حياة المواطن وذلك لارتباط بقية السلع به من حيث تكاليف النقل، وهو ما يجعل أسعارها موضوع مراقبة وتتبع دائم من قبل الرأي العام.
محددات أسعار المحروقات
النسبة المئوية لكل مكون من مكونات أسعار المحروقاتتحدد تركيبة أسعار المحروقات بمرسوم وزاري يحدد كيفية حساب السعر والمركبات التي تدخل فيه، حيث قامت الدولة في مايو 2012 بتحديث تركيبة الأسعار من خلال مرسوم أصدرته بهذا الشأن، وهو المرسوم الذي نص على مراجعة رفع رسوم التخزين وتحديد ربح الشركات بمبلغ ثابت بعد أن كانت نسبة مئوية وكذلك إضافة مبلغ أوقية للتر لدعم النقل العمومي.
قدر مساهمة كل مكون من مكونات الأسعارومن أهم العناصر الأساسية التي تدخل في تركيبة الأسعار:
1. سعر الاستيراد
وهو السعر المحدد بموجب العقد الذي وقع مع شركة الاستيراد بي بي انرجي ابريل 2012 والذي يعتمد على المؤشر العالمي لأسعار المواد البترولية بلاتزPLATT’S تضاف إليه تكاليف نقل المواد بحرا إلى ميناء انواذيبو ومصاريف التأمين.
2. الرسوم الجمركية والضرائب
تمثل الضرائب والرسوم الجمركية العنصر الثاني في الأسعار من حيث الأهمية؛ حيث تبلغ حولي 20 في المائة من السعر، ويعتبر البعض الضرائب والرسوم الجمركية عبارة عن ربح الدولة من أسعار المحروقات؛ إلا أن المتعارف عليه أنها من أكبر عائدات خزينة الدولة، ففي بلد مثل فرنسا تساهم هذه الرسوم ب20% من ميزانية الدولة، كما تمثل حوالي 80% من السعر النهائي للوقود.
لذلك من المستبعد أن تقوم الدولة بإلغاء أو تخفيض هذا المصدر المهم، وتقدر عائدات الخزينة الموريتانية من الضرائب والرسوم الجمركية على المحروقات بما يقارب 40 مليار أوقية سنويا وهو ما يعادل حوالي 12% من مجموع إيرادات الميزانية.
3. مخصص شركات التوزيع
تم تغيير مخصص شركة التوزيع من نسبة مئوية 5% من سعر الشراء إلى قيمة ثابتة هي 17,5 أوقية للتر.
4. الرسوم المصرفية
تغطية رسوم الضمان البنكي للتسديد في أجل 90 يوم من التسليم بين شركات التوزيع وشركة الاستيراد، وتمثل هذه الرسوم حوالي 7 أوقية للتر، وقد ساعد خفض أجل التسديد -بتاريخ 27 مايو 2012 من 180 يوم إلى 90 يوما- في توفير 7 أوقية للتر من السعر؛ حيث انخفضت هذه الرسوم من 14 إلى 7 أوقية للتر.
5. هامش التصحيح
قامت السلطات الموريتانية بإدخال عنصر موازنة في تركيبة أسعار المحروقات هو "هامش التصحيح" وهو ما يسمى اصطلاحا "الدعم الحكومي لأسعار المحروقات" وذلك للتحكم في الأسعار ودعمها في حال زيادة أسعار البترول العالمية.
وكما ذكرنا سابقا فقد تراجع هذا الدعم من 12 مليار أوقية سنة 2011 إلى ما يقارب 5 مليارات سنة 2012 وحسب ميزانية 2013 فإن الدعم لن يتعدى مليار أوقية فقط، وهو ما يعني أن الدولة قررت بشكل نهائي توقيف دعم المحروقات والإبقاء فقط على هذا العنصر من أجل موازنة الأسعار.
6. ربح محطات التوزيع
تخصص الدولة لمحطات التوزيع مبلغ 8 أواق للتر مع 1 أوقية للنقل في نواكشوط ومبالغ مخصصة للنقل إلى المدن الداخلية.
7. دعم النقل العمومي
وهو بند جديد استحدث في مرسوم مايو 2012 وهو عبارة عن أوقية واحدة من كل لتر تدفع لشركة النقل العموميSTP وكانت الدولة فرضت على الشركات تقديم هذا الدعم دون وجود له في تركيبة الأسعار الماضية، وهو ما تم تداركه في مرسوم مايو 2012.
وقد جنت الشركة في الفترة من يناير إلى يونيو 2012 ما يزيد على 230 مليون أوقية من خلال هذا الدعم الذي أصبحت الشركة تعتمد عليه بشكل أساسي من أجل دفع رواتب عمالها وذلك بعد تراجع نشاط باصات النقل العمومي.
أهم العوامل المؤثرة في سعر المازوت 2012
سياسة المؤسسات الدولية
تتجه المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي حاليا إلى حمل حكومات العالم الثالث على إلغاء كافة أشكال الدعم المباشر للسلع بحجة عدم استفادة الفقراء منه واستبداله، كما صرحت بذلك بعثة الصندوق إلى موريتانيا في مارس 2012 وكذلك رئيسة الصندوق كريستين لاغارد في مقابلة مع قناة الجزيرة بمساعدات عينية للطبقات الأكثر احتياجا، إلا أن هذه الحجة ربما تكون واهية؛ وإنما جاء قرار الصندوق الذي دخل حيز التطبيق المعلن في دول مثل نيجيريا بسبب ضغط الشركات العالمية العاملة في هذا المجال.
ورغم هذا التوجه فقد أبقت الحكومة الموريتانية على دعم أسعار الكهرباء بمبلغ 6 مليارات أوقية في ميزانية 2013 وغاز الطبخ بمبلغ 8 مليارات أوقية، إلا أنه كما صرح الرئيس محمد ولد عبد العزيز فإن الحكومة ماضية في تطبيق قرار إلغاء الدعم فيما يخص المحروقات.
ويبقى السبيل الوحيد من أجل تخفيض أسعار المحروقات هو تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب التي تشكل نسبة معتبرة من السعر كما تم اقتراحه في فرنسا.
السعر في المدن الداخلية
أسعار المحروقات في بعض المدن الداخليةتتبع المدن الداخلية نفس طريقة حساب التسعرة في نواكشوط مضاف إليها تكاليف النقل وهي تختلف من مدينة إلى أخرى حسب بعد المدينة من نواكشوط.
وفيما يلي أسعار المازوت لبعض المدن الداخلية (انظر الجدول)
وكانت المحطات في الداخل قد واجهت مشكلة في أسعار النقل أدت إلى قيام بعضها بالإغلاق احتجاجا على تدني قيمة مخصصات النقل، حيث كانت أسعار النقل الحقيقية تفوق تلك المحددة في تركيبة الأسعار، وهو ما يجعل المحطات تتحمل الفارق الناتج عن ذلك؛ لذلك قامت وزارة النقل بإخراج مقرر جديد في ديسمبر 2011 يرفع من أسعار النقل للمدن الداخلية.