إبداعات «الصهاينة العرب»

محمد كريشان

كتاب ومحللون إسرائيليون صاروا عربا… وبعض الكتاب والمحللين العرب صاروا إسرائيليين. 
باختصار شديد هذا هو الانطباع الذي تخرج به بسهولة وأنت تطالع ما يقوله هؤلاء وأولئك بعد «الإثنين الأسود» في غزة قبل أكثر من أسبوع، سواء تعلق الأمر بتلك الأحداث نفسها أو بتداعياتها السياسية المختلفة. لنكتف فقط هنا ببعض النماذج ليس أكثر:
باراك ديفيد المحرر السياسي في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي علق على قرار المفوضية السامية لحقوق الانسان بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول أحداث غزة فقال إن «مثلما كان هذا القرار معروفا سلفا فإن رد فعل الساسة لدينا باعتبار هذا القرار مسا بحق إسرائيل بالدفاع عن النفس وشيطنة لها معروف بنفس المقدار، وهذا دليل على أن الساسة لدينا إما أنهم لا يفهمون مغزى ما حدث في جينيف أو أنهم يفهمون لكنهم يكذبون على الجمهور» ويضيف واصفا المفوضية بأنها «تتكون من دول أعضاء إما دعمت القرار أو لم تعارضه على الأقل، ومعظم هذه الدول إما صديقة لإسرائيل أو حتى حليفة لها، وهذا القرار هو رسالة وجهها أصدقاؤنا مفادها أنهم لا يقبلون السياسة الاسرائيلية أو أنهم لا يفهمونها».
في المقابل ها هو اللبناني وليد فارس خبير الأمن الاقليميي لدى تلفزيون «فوكس نيوز» الأمريكي يقول إن «المسؤول عن أحداث غزة هو حماس وليس إسرائيل، فإسرائيل لم تذهب إلى غزة للقيام بذلك». ويضيف فارس أن «الجميع (!!) في الشرق الأوسط يعي حقيقة أن حماس هي المسؤولة عن هذا العنف، وعلى الجميع (!!) أن يعي حقيقة أخرى وهي أن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس ليس هو سبب قيام تلك المظاهرات». ويخلص في النهاية إلى أن «حماس حليفة النظام الإيراني، وما قامت به لا يتعدى كونه ردا إيرانيا على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي».
المفارقة أنه في الوقت الذي كان دائما فيه بين الاسرائيليين من هو متعاطف أو متفهم لمعاناة الفلسطينيين ويدعو حكومته لتفهم ذلك وإنهاء احتلال أراضي عام 1967 والقبول بتسوية تمنح للفلسطينيين دولتهم المستقلة، فإن بروز هذا الرهط الجديد من العرب الذي يبرر لإسرائيل أفعالها أمر جديد للغاية، لم نتعود عليه حتى في أسوأ المراحل السابقة وأكثرها انحطاطا، على الأقل بهذه الصراحة أو قل الوقاحة.
مثال واحد على هذا النوع من المفارقة: الصحافي الإسرائيلي اليساري جدعون ليفي صاحب المقالات المنتقدة بقوة لسياسات حكومته تجاه الفلسطينيين كتب مقالا في «هآرتس» تحت عنوان «60 قتيلا في غزة، موت الضمير الإسرائيلي» يدين فيه بقوة الردود الإسرائيلية على ما حدث جاء فيه بالخصوص أن «الحقيقة أن إسرائيل مستعدة لذبح مئات وأيضا آلاف الفلسطينيين وطرد عشرات الآلاف وليس في استطاعة أحد إيقافها. إنها نهاية الضمير ونهاية الأخلاق. لقد أثبتت أحداث الأيام الأخيرة ذلك بصورة نهائية، الأسس وضعت والبنى التحتية للفظائع صُبت. عشرات السنوات من غسل الدماغ وشيطنة الآخر ونزع الطابع الانساني عنه أعطت ثمارها».
في المقابل، ها هو عبد الحميد الحكيم باحث سياسي سعودي ومدير سابق لمركز يسمى «الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية» لم ير في ما جرى في غزة لا استمرار الظلم والقهر والاحتلال والحصار ولا غيره لأنه لم يلتقط سوى أن إيران هي المتورطة في إشعال الأوضاع هناك، لذا لم يجد ما يلخص به المشهد ويحلله سوى قوله للتلفزيون العربي لـــ «بي بي سي» إنه « عندما «أدركت إيران أن هناك رغبة أمريكية في الانسحاب من الاتفاق النووي، أعطت تعليماتها لحلفائها في غزة وفي حركة حماس للقيام بانتفاضة جديدة تحت شعار العودة».
لم نورد هنا إلا بعضا مما قيل وفقط في مقالات صحافية أو تصريحات تلفزيونية أما مواقع التواصل الاجتماعي ففيها الكثير من أمثال هؤلاء العرب، مسؤولين سياسيين وكتابا وصحافيين ورجال أعمال وغيرهم، استفزوا بتغريداتهم الكثير ممن ردوا عليهم بعنف شديد وشتائم مقذعة. هذا المشهد وصل حد لفت انتباه أكاديمية إسرائيلية تدعى أوريت بارلوف الباحثة في شعبة وسائل التواصل الاجتماعي التابع لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التي ذكرت للقناة العاشرة الإسرائيلية أن «مستخدمي وسائل صبوا جام غضبهم على من أسموهم العرب الصهاينة، وهو اللفظ الذي يطلق عادة على دول الخليج الداعمة للخطاب الاسرائيلي، خصوصا منذ أن أصبحت إيران في صدارة مصادر قلق الخليجيين». 
بلا شك أن هذا «المد الجديد» الباحث لإسرائيل عن أعذار بل والداعي لها بالنصر على الفلسطينيين، كما وصل الأمر ببعضهم، ما كان له أن يوجد أصلا أو ينتعش لولا أنه استظل بغطاء سياسي شبيه ومشجع… ولهذا قالت بارلوف «يكفي أن نرى وزراء خارجية (عربا) يغردون في تويتر دعما لإسرائيل، أي أن الدعم للخطاب الإسرائيلي وصل إلى قمة الهرم السياسي». الله غالب!!

القد س العربي 

أربعاء, 23/05/2018 - 15:46