وداعا الأسطورة

اقريني امينوه

قبل أيام قليلة أخبرني صديق ورفيق عمل قديم،،أن صحفيا كبيرا أحبه ويحبني قد فارق الحياة مضمخا بحزنه الأبدي الذي ورثه صوته من أول تقرير بثته له إذاعة موريتانيا قبل عقود من الآن.
نعم توفي محمد الأمين سيدي صاحب الحنجرة الأبوية ومعد التقارير باللغة الفرنسية فى إذاعة موريتانيا وقناة الساحل وإذاعة موريتانيا وكوبني وقبلهم إذاعة نواكشوط الحرة
كان سيدي إنسانا نادرا ،عاش على طريقته الخاصة،رجل سلام يوزع الأمل على صغار المحررين، ويوفر لهم أسبابا لعودتهم سالمين من دمار صحافة تتغذي على دمهم .
قبل عقود من اليوم ،دلف شاب طويل القامة يحمل ملامح طيبة بلاط صاحبة الجلالة التى لم يفارقها الا حين خارت قواه ليستيقظ ذات يوم وقد أصبح بلا صوت.
قذفته أقداره الي العاصمة،قبل ان يبصر النور اغلب المنتسبين للحقل الإعلامي اليوم ، لينخرط في المؤسسة الأعرق فى الوطن "إذاعة موريتانيا "كمحرر نشرات بالقسم الفرنسي فيها
تعرفت على المأسوف عليه، قبل سبع سنين في إذاعة"كوبني"، كان متواضعا كشيخ طريقة صوفية،وودودا كصديق قديم، يحرر نشرته بصمت جنائزي ويدخن بانضباط عسكري
لم تكن علاقة سيدي بالصحافة علاقة عامل بمهنة ولاموظف بوظيفة كانت الصحافة لديه عقيدة وجهاد
كان يؤرخ لسقوط الصحافة بوفاة المرحوم حبيب ولد محفوظ وتدني سعر الأوقية مقابل الدولار ووهن الصحفي اتجاه "المرجن"
ورغم كل أنواع العوز والحاجة والفاقة، لم يفكر سييدي ان يغير مهنته وهل تستطيع شمامه تغيير تربتها؟
كان يستمتع بثقافة الندرة التي لاتخطئها العين للعاملين فى مجال الصحافة،وكان متفائلا بعودة الصحافة لمجدها الأول ويفرح كثيرا حين نقص عليه بوادر ارهاصات استقلال الصحفي في مواجهة آلة البطش التي كانت تستهدف أمعاء الصحفي المستقل.
آخر مرة شاهدت فيها المرحوم محمد الأمين، كانت في احدى القنوات التي عملنا فيها معا .
كان هائما ومستغرقًا في حزنه وكأنه يحمل عن مئات الصحفيين حزن واقعهم في هذه الأرض البياب .
جلس الفقيد قرب شباب أحبهم وأحبوه لفرط بساطته وإنسانيته ، أشعل سيجارته الأبدية وهو يحمل رزمة وصفات كتبها طبيب قلب بخط فجائي وسخر من قلبه ومن مستورد سجائره المفضلة التي تحمل اسمه الذي أناديه به دائما "الأسطورة"
شرب كأس شاي ونفث دخانه،وودع الكل بابتسامة أب متعب وعاد لبيته ليموت على طريقة التقسيط المريح
يلخص محمد الأمين قصة تعاسة هذا الوطن فالرجل الذي أبن بتقاريره اغلب ساسة هذا البلد،ورموز مجتمعه لم يشعر صحفي بموته، ولم تكلف مؤسسة إعلامية واحدة عناء تحرير خبر عن موته.
رحم الله صديقي محمد الأمين سيدي
إنا لله وإنا اليه راجعون.

ثلاثاء, 17/12/2019 - 12:41