قمة القصر المَشِيد و المطار الجديد...

محمد محفوظ متالي

خلال الأزمُن الخوالي من عمر الدولة الفتيّة كان هذا المنبذ القصي يقطن دائرة النسيان المرير فلا يكاد يلهج به لسان و لا تستحضره ذاكرة..استوى في ذلك القُطر الإفريقي و العربي و الأممي..رضي بكفاف العضوية الباهتة و مسلك السير ضمن القافلة و هو الذي كان أيام النجعة يمسك علماؤه بخُطام المجالس العلمية في شرقيّها و غربيّها و مياسم ذلك منقوشة بين صفحات الكتب و على مداخل مداشِر العلم و حلق التعليم في كل مصر و قُطر من الوطن العربي الفسيح ..

غير أن الغيرة على هذا الدور الدبلوماسي التليد لم تأخذ من زعماء عرش هذا البلد على مرّ حقبهم ما أخذت من السيد العزيز حين طلعته صبيحة يوم أغر مشهود..انزاح به الصدأُ عن واجهة شنقيط اللّمّاعة بعد أن ظلّت الروامس طيلة حقب تذري عليها أتربة الغدر ووالإهمال و لا أحد من بنيها يرمقها بعين رأفة و لا أذُن إصغاء  في كبيرة عقوق و جريرة تاريخ عظمى..

يمكن اعتبار هذا الأسلوب أسلوب غلوّ في الوصف و مبالغة فيه و تصوّر مثالي لهذا النظام..

و الحقيقة أننا ندرك أنه لا شك أن لهذا النظام أخطاء و ربما مثالب و مواطن لم تطلها يد الإصلاح لكن هذا لا يتنافى مع كونه حمل هذا المنكب الذي ظلّ مغبرّ الجبين إلى مراتب الدول و مصافّ الأمم و الشعوب و أصبحنا ندرك نقصان مؤسساتنا الوطنية بعد أن كانت نقصانا بكاملها و يصعب تداركه بقبليّ سريع في غضون عشرية ميمونة تضاعفت الموانئ و المدارس و الجامعات و المستشفيات و الدفاعات و المطارات و شيّدت القصور و تمّ القضاء على أحياء القبور و تسويّة الإرث الإنساني و تقويّة الوحدة الوطنيّة و أُدخِل المفسدون الموّالون السجن لأوّل مرّة......إلخ

مع ذلك لا يكفي هذا فبالطبع ما زلنا في بداية الطريق الإصلاحي الطويل و الوطن يستحق ّ أكثر و المتربّصون بها كثر من حرس الاستغلال المقيت لكن يجب تقدير و تثمين هذا  الجهد الجهيد و المثمر  الذي جنيناه طيلة هذه العشرية المباركة و نجني الآن ثمرة من ثماره الدبلوماسية ثمرة القمة الإفريقية المرتقبة قمة "القصر المَشِيد و المطار الجديد" قبلَ الأسود الأفارقة على قول المستشار الإعلامي محمدالشيخ تداعى الأسود العرب إلى خيمتهم في نواكشوط كالأكلَة إلى قصعتها وازّينت لهم و بهم الأرض و من فيها و أحاطهم شعب مضياف بالكلمة الحُلوة و الوجه الطّلق و الكفّ النديّ حتى عادوا بأمن و أمان و ذكر حسن ماكث في الأرض و  اليوم يأتي الدّور القارّي و قد شُيّدَ صرح ممرّد من قوارير على مقربة من مطار دولي بمعايير حديثة و شركة طيران آخذة في التفوّق..يِحقُّ للقادة الأفارقة حين الوصول حُسبانهما لجّة كحسبان بلقيس حين انبهرت بقصر سليمان فما العاصمة اليوم بمدارجها و قصورها كعاصمة الأمس المغبرّ الكئيب ففي هدأة الصحراء يجلس القصر الجديد إلى جانب أخيه المطار الدولي يتبادلان من بعيد أحاديث الإضاءة  الآسرة، تحت نشوة نسائم البحر العليلة و الأمن المهراق و يتسامران على بطولات "معركة أم التونسي" و من أحياهاو كيف كانت من الغابرين يترنّمان بأراجيز الترحيب و أناشيد التسهيل و أزجال التهليل بقادة قارّة شاء القدر أن يكونا شاهدين على أكبر حدث بها..هكذا هما الآن

إن الأوطان لا تبنى إلا على ثوابت الشعوب و حقائق التاريخ بعيدا عن منطق القوة الآنية و الغلبة السياسية و ما تمّ إنجازه اليوم استعدادا للقمة التاريخية باق لجميع أبناء هذا الوطن يرثه من يشاء لا علاقة له بأغلبية حاكمة و لا معارضة ناطحة لذا على جميع ركاب سفينة الوطن التآلف و التكاتف لإنجاح هذا الحدث الوطني التاريخي الهام فلا مبرّر لأي حامل لجنسية هذه الأرض أن يقف ضده أو يشكك فيه بسبب موقف سياسي من الأغلبية الرئاسية فالحدث و طني و جلل و ثماره سيقطفها الجميع بغض النظر عن توجهاته السياسية أو الإيديولوجية...

اثنين, 25/06/2018 - 11:45