صاحب الرواحية رضي الله عنه أراحنا(٤)

شحادة العَمْري

صاحب الرواحية رضي الله عنه
أراحنا(٤)
    بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
  فإن الظاهر بيبرس رحمه الله تعالى ارتاح حينما علم أن الإمام النووي رضي الله عنه  قد مات لأن هيبته ظلت في نفس بيبرس حينما طلبه للتوقيع على الغوطة فأبى الإمام إباء العزة لأنه فقه معنى قوله تعالى:
( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )
تكلمت عن  هذه المسأله  والتي مقامها في المقالات يأتي متأخراً لكني ذكرتها لتحفيز النفوس لقراءة ما سأذكره من حياة سيدنا  التقي الورع الإمام النووي رضي الله عنه
أقول:
بعد ليلة القدر  التي حدثتكم عنها بعثه أبوه إلى شيوخ  نوى ليتلقى مباديء العلوم فلبث يقرأ على مشايخ أهل قريته وما حولها 
وكان رفاقه من الصبيان يسحبونه من يده ليلعب معهم ، فيفلت منهم وبعتزلهم فيقرأ في كتابه حتى بلغ مبلغاً من العلم وهو دون البلوغ.
وحينما بلغ التاسعة عشرة من عمره قدم بِه أبوه إلى دمشق
ليدرس في إحدى المدارس التي كانت في المساجد أو بجوارها
يتلقى الطالب فيها العلم والعمل 
ليصبح ربانياً إذا أخلص النية لله تعالى في طلب العلم لينال رضا الله تعالى وليس رضا الناس بالحصول على الشهادات لتسلم الرواتب وإظهار العلو على الأقران 
وهو مما لا يليق بطالب العلم الشرعي الذين سيُصبِح عالماً من ورثة الأنبياء الذين لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكنهم ورثوا العلم والعمل بطبيعة الحال لا ينفك عن العلم بحال عند العلماء الحكماء 

نعم ، لقد كانت المدارس حصوناً تحمي الأمة من الترهل والإنهيار 
ففي النصف من شعبان سنة ٦٣٠ للهجرة افتتحت دار الحديث بدمشق وكان أول مدرس فيها الإمام العلامة ابن الصلاح رحمه الله تعالى
دخل شيخنا الولي الصالح الإمام النووي رضي الله عنه دمشق فكان  أول لقائه بخطيب الجامع الأموي الشيخ ابن عبد الكافي رحمه الله تعالى الذي أخذه إلى حلقة الشيخ الفزاري المعروف بابن الفركاح رحمه الله تعالى فقرأ عليه دروساً ولازمه أياماً ولم يكن له موضع يأوي إليه فإن المدرسة الصارمية التي كان فيها ابن الفركاح ليس فيها غرف تأوي الطلبة وسيدنا النووي رضي الله عنه غريب جاء من نوى في حوران
تعرف الإمام النووي على الشيخ الكمال إسحاق المغربي رحمه الله تعالى المدرس بالمدرسة الرواحية وهو تلميذ ابن الصلاح رحمه الله تعالى 
رأى المغربي النووي فأعجب بِه لما رأى من دأبه على القراءة وانصرافه إلى العلم والعبادة وعدم اختلاطه بالناس ، وأحبه محبة شديدة ، وجعله معيد الدرس بحلقته لأكثر الجماعة ، وأعطاه غرفة صغيرة في ( الرواحية) فبقي فيها إلى أن مات رضي الله عنه وأرضاه
أمضى فيها سنتين لم يضجع فيهما أبداً ، بل كان يقرأ ليلاً ونهاراً ، لا يقوم إلا إلى الوضوء أو الصلاة، وكان إذا غلبه النعاس أسند رأسه إلى الكتب ، وكانت ركاماً حوله ، فأغفى ثم قام إلى القراءة والكتابة ، وهكذا ظل مع المحبرة حتى المقبرة 
أكتب هذه الأحوال الماتعة التي عاشها شيخنا المكرم وأنا متألم من أحوالنا في زماننا ومن تصرفات دعاة الطلب للعلم الشرعي الذين اكتفى بعضهم بقوقل حتى صاروا  يلقبونه بالشيخ قوقل
أكتب هذه الكلمات التي تكلم الفؤاد في هذه الساعة التي تتألم الأمة الإسلامية مما أصابها من المحن والتي انبثقت عن بعدها عن منبع الحياة والسعادة منبع العلم الشرعي الذي يرتقي بنا لنكون دعاة هداة نتلو (اهدنا الصراط المستقيم ) ليعرفنا سميه الصراط في الآخرة فيأذن لنا بدخول الجنة ونسلم من كلاليبه التي هي أشبه بشوك السعدان أعاذنا الله جميعاً من السقوط وجعلنا من أهل الصعود
وإلى اللقاء يوم الجمعة إن شاء الله تعالى
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    خادم العلم الشرعي
 شحادة حميدي العمري
أستاذ التفسير بجامعة اليرموك
٨ من جمادى الآخرة١٤٤١هجري
٢ من كانون ثان ٢٠٢٠ م

جمعة, 03/01/2020 - 17:10