مقابلة صراحة.. التطبيع والحركات الإسلامية

محمد عبد الله لحبيب

السؤال الاول: هل فعلا تقتنع بعملية السلام مع إسرائيل، وبالتنازل لهم عن شيء من فلسطين؟
الحقيقة أن رأيي في هذه القضية مركب من عدة جزئيات:

1. أن التعامل الواقعي مع حقيقة وجود دولة احتلال في جزء من أرض فلسطين ضرورة حياتية للفلسطينيين الذين يقعون تحت السلطة العسكرية لهذا الدولة.

2. أن إزالتها وإنهاء احتلالها إلى الأبد ما زالت تقف أمامه عقبات توازن القوى المختلة كثيرا؛ على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي، والتقني لصالح إسرائيل.

3. أن التعامل الفعلي اليومي مع سلطات الاحتلال واقع يتعاطاه الجميع، على مستوى المعابر بشكل مباشر، وعن طريق أجهزة السلطة الفلسطينية، وعبر مجموع القنوات الأخرى بشكل غير مباشر.

4. أن التدرج، وتاريخ المقاومات، وتجاربه، لا يمنع إبرام صلح مع المحتل على أساس ما يعرضه حكام العالم (حدود 1967)، وفي حال تغيرت موازين القوة لن يعدم القوي الجديد حججا لإعادة نقاش الاتفاقيات السابقة، والحديث من جديد على طاولة جديدة.
وهذا الرأي هو الذي اعتمدت جزءا منه، بصياغة أقل صراحة، الوثيقة التي أصدرتها حركة المقاومة الإسلامية حماس الصادرة في الأول من مايو 2017 حين نصت " أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، هي "صيغة توافقية وطنية مشتركة".

وهو للأمانة موضوع طرح بأكثر من صيغة منذ قيام حماس، على لسان الزعيم المؤسس أحمد ياسين رحمه الله.

5. أن موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس من التعامل مع إسرائيل يفقد الشعب الفلسطيني والحركة، مكاسب كثيرة، ويجعل قوتي البندقية والسياسة غير متحدتين في مواجهة المحتل.

فلو كان المفاوض لإسرائل هو حماس لكانت كسبت للشعب الفلسطيني أكثر وتجنبت الابتزاز السياسي الذي تمارسه عليها بعض أجنحة السلطة، وبعض الأنظمة العربية، اتكالا منها على أن حماس لن تباشر التفاوض مع إسرائيل.

حين زرت قطاع غزة سنة 2010 (قبل ثورة مصر) تحدثت بهذا الكلام إلى الرئيس الحالي للمكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنيه، وكان يومها رئيس لحكومة تسير الحياة في قطاع غزة، وناقشيه كثيرا مع الدكتور أحمد يوسف، وهو يومها وكيل وزارة الخارجية في غزة، ومستشار لهنيه، والتقيت بمسؤول المعابر في حركة حماس غازي حمد بالمدينة المنورة، وطرحت عليه الموضوع، ثم التقيت الأستاذ أسامة حمدان في مدينة إسطنبول التركية، والدكتور موسى أبو مرزوق في نواكشوط، وكلهم طرحت عليه الموضوع أو طرفا منه، وكان أوسعهم نقاشا الدكتور أحمد يوسف والأستاذ أسامة حمدان، وأغلبهم تحدثوا بمضمون فقرة الوثيقة السابقة، ولكن آلية الدخول في مفاوضات مع المحتل، لم تكن واضحة وتحتاج اشتراطات تتعلق بأجهزة السلطة، وبالضمانات، وبعضها بحلفاء حماس.

6. هذا غير تطبيع الحكومات العربية مع إسرائيل، وكان رأيي وما زال عدم قبوله، وأنه ليس ضرورة خاصة لمن ليست لديهم حدود مع إسرائيل. ومع ذلك كنت أدعو الإسلاميين إلى الاقتصاد في إنكاره، لأنه سيتحتم عليهم أن يتعاملوا معه من موقع المسؤولية في الحكومات، وسيظهرون بمظهر التناقض، ولكن الاقتصاد في النكير قد يخفف الحرج.

وفي عام 2005 قلت لأحد القادة البارزين في موريتانيان وكنا بمدينة الرباط المغربية؛ "إن العشرية القادمة هي عشرية تطبيع الحركات الإسلامية مع إسرائيل". وكان تحليلي أن الإسلاميين مقبلون على مشاركة في الحكومات، وأن النظام العربي الرسمي معترف بإسرائيل ويتعامل معها. لم تمض سنوات حتى جلس إسلاميو موريتانيا مع وزراء خارجية ولد الطايع المطبعين، وأصدرت حماس رؤيتها، وكانت تركيا والمغرب تقودهما حكومات يقودها إسلاميون وللبلدين علاقات مع إسرائيل.

وما زلت أدعوهم إلى الاقتصاد في النكير، وأعرف أن أي فعل ينكره المرء معارضا قد يجبر على أسوأ منه إن هو غطس في أوحال الحكم..

السؤال القادم: هل حقا كان إنفصالك عن الإخوان وفكرهم بلغ درجة الكره الشديد؟

ثلاثاء, 11/02/2020 - 21:50