اعترض بعض الأخيار على شرعيّةِ قروضِ الدعم الميسّرة ليستفيد منها في مشاريعَ تنمويّةٍ العاطلون العائلون القاصرون عن الكفاف والعفاف.
ولغا بعضهم في فتوى العلامة أحمد الريسوني والعلامة عادل رفُّوش حفظهما الله.
ولا يحتمل من خواصِّ أهل العلم والفضل القوْلُ بجواز الرِّبا بجميع صُوَره.
ولتوضيح صورة النَّازلة فهي: قصورُ مِئات الآلاف من الشباب في كل منطقة بسبب البطالة عن أسباب العفاف والكفاف قصورا يمتلئون به حِقدا على المجتمع ونِقمةً على النظام ولِيعصِفوا بالسِّلم الاجتماعي في أوّل فرصة تُتاحُ لهم أو يُتيحها لهم المتربِّصون مِن الخارج بسِلْمِ المجتمعات العازفون أناشيدَ الظلم والقهر والغبن والتهميش، هذه الصورة أكبرُ خطرا من صورٍ أخرى فرضتْ "شرْعيَّةَ دفع الضرر والخطر بمخالفة النهي ولا فضلَ ولا أجْرَ في كفٍّ عن الحرام يترتَّبُ عليه ضرر أكبرُ بل لا خلافَ في إثْمِ استصحاب شرعيّة النهيِ بِقَدْرِ مَبْلَغِ الضَّرَر والخطرِ" وأقولُ بتأصيلها قاعدة فقهية بالقرائن التاليّة:
ـ قطْعُ عضوٍ من الجسد كالذراع والرجل حرامٌ مَنهِيٌّ عنه شرعا ويجب الكَفُّ عنه فإذا أُصِيبَ وخِيفَ على الجسم انتشار الضرر والخطر وجب شرعا دفع الضرر بمخالفة النهي.
ـ شقُّ بطن الإنسان حرام شرعا فإذا خِيفَ عليه ضرر بمرضٍ أو خيف على حياة الحامِلِ وجب شرعا دَفعُ الضرر بمخالفة النهي.
ـ بيعُ الإنسان من أكبر الموبقات والجرائم في الإسلام ولم يتنزَّلْ مِن اللهِ الإذن به عبر التاريخ وإنّما كان واقعا غير شرعِيٍّ وحسِبتْهُ المتون الفروعيّة الفقهيّة شرعا، بل تعامل الإسلام مع الواقع غير الشرعِيِّ فشرع تحرير الرقاب تحريرا يلزم معه مخالفةُ النهي عن سَفْكِ كرامة الإنسان بيعا واسترقاقا بِشِرائِهِ مِنْ مالِكِه وقاهِرِه ظُلْما وعدوانا ولَكَأَنَّ الْـمُحْسِنَ بِفَكاكِ الرِّقاب وتحريرِها أقَرَّ شرعِيَّة مُلْكِ المعتدِي بِشراء الإنسان القاصر المقهور مِنه، وكذلك أعان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سلْمانَ الفارسيَّ على فكاك رقبته مِن اليهودِيِّ مالِكِه واقعا غير شرعيٍّ، ومِن قبْلُ اشترى أبو بكر الصِّدِّيقُ رضيَ الله عنهُ وأرضاه بلالا الحبشيّ مِن مالِكِهِ واقعا غير شرعيٍّ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وإنَّما الميزان دَفع الضّرر بمخالفة النهي، ولتصحيح المفاهيم وتقويم الموازين فإنّ النبيَّ صلّى الله عليه وعلى ءالِه وسلّم لـم يعترف بشرعيَّة مُلْك أميَّةَ بن خلَفٍ بلالا ولا بشرعيَّة مُلك اليهوديِّ سلمانَ الفارسيَّ ولا بشرعيّة الأصنام حول الكعبة إذ كان يطوف حول الكعبة ولـم يمسسْها بسوءٍ في العهد المكِّي كما لم يعترفْ النبيُّ يوسف الصِّدِّيقُ بشرعيّة مُلْكِ امرأة العزيز إيَّاه رغم قبولِه خدمتها وطاعتها في المعروف، وأرسَل ربُّ العالمين موسى وهارون إلى ملِكِ مِصْرَ ولا يعني وصْفُهُ بصِفَة الْـمُلْكِ "فِرعَوْنَ" إقرارا بشرعيّة مُلْكِهِ ولا باستعبادِه بني إِسراءيلَ بل هو التعامُلُ مع الواقع غير الشرعِيِّ بمنطق الحجّة والمنطق والاستدلال من غير تطرُّفٍ بالاصطدام مع الواقع غير الشرعيِّ.
ـ في إعراض النبيّ هارونَ عن معاقبة عبدة العجل حِرْصًا منه على وِحدةِ المجتمع وسِلْمِه بقرينة قوله ﴿إِنِّـي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِـي إِسْرَاءِيلَ وَلَم تَرْقُبْ قَوْلِـي﴾[طــه 94]، ويعني قوة احتجاج هارون بأنَّه لو عاقبَ عبدةَ العجلِ يومئذٍ لكان قد قصم وِحدة المجتمع بتفريقِهِ طائفتينِ أي لم يرْقُبْ وصيَّةَ موسَى بالإصلاحِ الذي لا يستقيم بتفريق المجتمع الواحد، ولا يخفَى أنَّ الشِّرْكَ أكبر من الربا وأفجر.
ولعلّ بعض الطيِّبِينَ يُنْكِر تحقُّقَ الضرر في بلاد عربية متعددة هاج وماجَ شبابها رغبةً في الحرِّيَّة وتحسين الوضع الاقتصادي فتمزَّقت مجتمعات وتشرّدت واحترقت وغرقت في فتنٍ تتصاغر معها فتنةُ الاستبداد والطغيان لدى بعض الحكام.
ولعلَّ بعض الباحثين المتجرِّدِينَ يُشْفقُون على مجتمعاتهم من عدوى تلك الفتَن فيحرصون على تحصين المجتمع من كل أسباب التوتُّرِ والانفلاتِ.
الحسن ولد ماديك
نواكشوط في 24 جمادى الآخرة 1441 هـ
كبير الباحثين بمؤسسة ابن تاشفين في مراكش
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات في موريتانيا