نظم مركز الصحراء للدراسات والاستشارات ندوة عملية تحت عنوان: المجالس الجهوية: التنظيم القانوني والتطلعات التنموية افتتحت بكلمة للمركز ألقاها مسؤول الدراسات الدكتور محمد يحيى ولد أحمدناه والتي تحدث فيها عن أهمية العنوان وما يعنيه في المرحلة الراهنة مرحبا بلفيف الباحثين والخبراء والمهتمين الذين لبوا دعوة المركز للمشاركة في الندوة.
وأحيلت إدارة الندوة إلى رئيس الجلسة نائب رئيس جامعة انواكشوط العصرية الدكتور الناني ولد المامي الذي رحب من جانبه بالحضور وشكر المركز على تشريفه بمهمة تسيير أعمال الندوة، منوها بأهمية موضوع الحديث عن المجالس الجهوية باعتباره موضوع الساعة بعد أن تم تبنيه من قبل موريتانيا في التعديلات الدستورية الأخيرة سنة 2017.
قراءة في مسار اللامركزية
الوزير السابق والأستاذ الجامعي الدكتور يحي ولد الكبد كان المحاضر الأول وتحدث عن تجربة اللامركزية في البلاد متوقفا مع مسارها ابتداء من ستينات القرن الماضي، قائلا إن التجربة البلدية في موريتانيا تميزت باعتماد الفئوية في مجال البلديات من خلال تصنيف ثلاثي انقسمت من خلاله البلديات حينها إلى ريفي وحضري ونموذجي، واعتبر أنه في البلديات الريفية تتم تسمية مندوب لتمثيل المجموعات التقليدية على أن تسند المهام التنفيذية إلى ممثل الدولة، بينما تمثل البلديات النموذجية بلديات وسيطة تلعب دورها بشكل مرحلي لتصل إلى مستوى حضري مثل بوكي ولعيون وانواذيبو، أما البلديات الحضرية فقال ولد الكبد إنها موروثة عن الإستعمار وهي روصو وكيهيدي وأطار وانواكشوط وهي بلديات مكتلمة الشروط لها صلاحيات في القانون العام رغم عدم وجود انتخاب يومها نظرا لحداثة التجربة التي لم تعمر كثيرا يقول ولد الكبد، حيث كان ذلك من سنة 1961 مرورا بعام 1963 وحتى 1968 حينما أسدل الستار على هذه التجربة نظرا لأن الدولة لم تكن لديها موارد لتغطية تكاليف هذه الكيانات حسب قوله.
وأضاف ولد الكبد أنه تم استحداث النظام الجمهوري في موريتانيا سنة 1968 وتبعه قانون 1969 وبموجبه أصبحت البلديات لديها ميزانيات، كما ينص هذا القانون على ضرورة وجود هيئات منتخبة ظلت مؤقتة حتى عام 1986 حينما أضيف إلى اللجان المؤقتة لجان إقليمية لديها صلاحيات ولها ميزانيات من خلال المحددات التي تم اعتمادها في نظام اللامركزية الإدارية الخاضع لنظام الدولة الموحدة، واعتبر في هذا الإطار أن المسار البلدي في الثمانينات تضمن الجهة لأول مرة وبوب عليها في الدستور من خلال الإصلاح الذي كرسه الأمر القانوني الصادر 1987 حيث نجد أنه تم استنساخه تقريبا من القانون الفرنسي.
وقدم قراءة نقدية في القانون الحالي المنشئ للمجالس الجهوية قائلا إن الجهة فيه تعاني من ضبابية في الصلاحيات لكونها غير محصورة بالدرجة الكافية، وأن هناك تداخلا بينها وتدخل قطاعات أخرى في مجالات مختلفة، كما نبه إلى أن المساهمة المنصوص عليها للجهة تقتضي النزاع على الصلاحيات مع أطراف أخرى في ظل عدم تحديد نوعية تلك المساهمة وحدودها، واعتبر أن هذه الضبابية تستمر من وجه آخر نظرا لوجود اختصاصات مسندة إلى الجهة بشكل تلقائي وبالنص بينما يشير النص إلى وجود اختصاصات أخرى يحتمل إسنادها إلى الجهة في مدخل يفتح المجال أمام الحكومة لاتخاذ قرار الحد من صلاحيات الجهة، كما أوضح أن النص يسحب من الجهة صلاحيات تحديد الهيكلة الإدارية للمجلس الجهوي، وفي مقارنة أخرى بين العمدة ورئيس المجلس قال ولد الكبد إن العمدة يتولى عمله بوصفه وكيل الدولة وممثلا للسكان، بينما يؤدي رئيس الجهة عمله بوصفه فقط ممثلا للمجموعة الترابية التي ينتمي إليها وتقتصر صلاحياته على تنفيذ مداولات المجلس الجهوي، كما أن هناك فرقا آخر يتمثل في كون تمويل البلدية يتضمن موارد ضريبية أما الجهة فلا تتمتع بذلك.
وحول الرقابة على عمل الجهة قال ولد الكبد إن هناك تناقض كبير يصل حد المساس من الدستور، مقترحا تخفيف الرقابة وإلغاء الوصاية وإسنادها إلى المحكمة الإدارية، وأوضح أن تلك الرقابة تتمثل في احتفاظ القانون بالوصاية على الهياكل والقرارات والأشخاص والموارد، واستطرد في هذا الصدد أن القانون المنشئ للمجالس الجهوية بوصفه قانون عضوي كان غير دستوري، قائلا إنه تفاجأ من عدم اعتراض المجلس الدستوري عليه، واستعرض أزمة العمال وإشكالية تسييرهم، وتوقف في الختام مع خصوصية جهة انواكشوط، معتبرا أن دعوة القانون إلى نقل أملاك المجموعة الحضرية إلى الجهة منطق غريب، حيث ظلت هذه المجموعة مؤسسة للتعاون البلدي تتولى تنفيذ مهام في مجالات متباينة، لكن القانون الجديد يتجه إلى إلغائها وترك بلديات انواكشوط كاملة الصلاحيات.
وفي الختام توصل الباحث ولد الكبد إلى أن المقاربة القانونية رغم ظهورها بشكل متناقض في الظاهر إلا أنها ليست كل شيء، وفي النهاية تبقى مقاربة ثانوية بانتظار خوض التجربة، وهو ما أثرى النقاش عبر المداخلات اللاحقة التي محصت النقد الذي قدم في القانون المنشئ للمجالس الجهوية.
استعراض للقانون الجديد
الورقة الثانية المقدمة في الندوة كانت مع الدكتور محمد ولد محمد المختار أستاذ القانون العام في جامعة نواكشوط الذي تحدث عن الإطار القانوني للمجالس الجهوية في موريتانيا موضحا أنه جاء في حوالي 100 مادة موزعة بين 6 محاور، مقدما ملاحظاته على قانون المجالس الجهوية والتي استهلها بأن استحداث هذه المجالس أضاف مستوى جديد من مستويات اللامركزية في البلد، معتبرا أن الأمر إيجابي ومفيد من خلال خلق كيانات عديدة تتنافس في الأداء المحلي، ونبه إلى أن سياق استحداث الجهة مختلف عن استحداث البلديات التي أنشئت كاستحقاق سياسي في ظل وجود مجلس الشيوخ الذي كان ينتخب من قبل المستشارين البلديين، وأوضج أن وجود المجالس الجهوية خلق ديناميكية تمثلت في تخلي الأحزاب عن المستوى المركزي لكونها أصبحت مطالبة بالنزول إلى الجهات لفرض فاعلية في المشهد السياسي، وهكذا كان قرا إنشاء الجهات مؤشر توازن في التنمية المحلية لإنهاء التباين الموجود في التنمية المحلية في مناطق الداخل وخصوصا في المناطق الريفية التي تتمايز المكاسب التي تحققها في المجال التنموي.
وتوقف ولد محمد المختار مع العلاقة بين السلطة اللامركزية والجهة ورغبة الحكومة في تكريس الوصاية على المجموعات المحلية، وأرجع الأمر إلى أن فلسفة الأسلوب الفرنسي الذي تعتمده موريتانيا تصب في هذا الاتجاه بخلاف مرونة الأسلوب الإنجليزي الذي يمنح الجهات صلاحيات واسعة مع تخفيف الرقابة عليها، وأوضح بعض مظاهر التشدد في رقابة المجالس الجهوية، قائلا إن من بينها كون حل المجلس يتم بمرسوم معلل من مجلس الوزراء، وهو ما يترك الأمر خاضعا للمزاج السياسي، ساردا مظاهر أخرى من بينها دعوة الوزير المعني لتنصيب المجلس الجهوي، وكون عزل أعضاء المجلس من صلاحيات الحكومة، واشتراط موافقة الوزير المعني على استبدال شخص في تكريس عملي لوصاية السلطة المركزية على المجالس الجهوية، ونبه إلى أن تعيين الأمين العام للمجلس بقي غير محدد في ضبابية أخرى تمتد نحو ممثل الدولة الذي يشير إليه النص أكثر من مرة، وخلص إلى أن كل المظاهر السابقة تؤكد خضوع المجالس المنتظرة لحالة من الهيمنة المطلقة للسلطة تدفع إلى التشاؤم حول مستقبل وتجربة المحالس الجهوية رغم التفاؤل باستحداثها.
معقبون قدمو رؤيتهم
بعد هاتين المحاضرتين عقب الدكتور محمد الأمين داهي الخبير في القانون الدستوري ورئيس جامعة نواكشوط سابقا على الملاحظات المقدمة حول القانون المنشئ للمجالس الجهوية، منوها إلى أن القانون ربط عدد أعضاء المجالس بالكثافة السكانية فارضا تساوي التمثيل المحلي بين جميع البلديات والمقاطعات التي تمثل في الوقت الحالي مكونات الدولة باعتبارها هي الهياكل القائمة، وقال إن النص القانوني تمت صياغته بناء على التجربة الموريتانية رغم الاستفادة من تجارب إقليمية في المغرب والجزائر والسنغال وحتى فرنسا، وفي تعليقه على القراءة النقدية المقدمة قال ولد داهي إن محاكمة النصوص قبل التنفيذ والممارسة سابق لأوانه، معترفا أن هناك نواقص من أبرزها عدم تخفيف رقابة السلطة على المجالس الجهوية، وأرجع الأمر إلى أن المشرع الموريتاني تأثر بتطورات الوضع في إقليمي كاصاماصا وكاتالونيا من أجل الحيلولة الحيلولة دون أي انفصال محتمل خصوصا أن صياغة النص تزامنت مع حدوث انفصال في بعض أقاليم العالم كإقليم كردستان.
وألقى الأستاذ الجامعي الدكتور الشيخ ولد عبد القادر تعقيبا آخر أوضح من خلاله أن الجهوية تندرج ضمن مبدأ التسيير الحر قبل ظهور الجهة، وطرح إشكالية إحالة الدستور إلى قانون الجهة، قائلا إن ذلك يمثل خطأ تشريعيا ينسحب على قانون لجنة الإنتخابات، وقدم قراءة في الصلاحيات الممنوحة للمجالس الجهوية، معتبرا أن من بينها اختصاصات خاصة نصت المادة 4 على أنها تتضمن اختصاصات منقولة، وذلك ما يستدعي استحضار إكراهات إسناد جميع المهام التي عجزت عنها الحكومة إلى المجالس الجهوية دون إرفاق ذالك بموارد كافية مما يخلق أزمة على غرار الأزمات التي عاشتها البلديات طيلة العقود الماضية.
وفي ختام الندوة فتح مجال المداخلات أمام الحضور، حيث تحدث الدكتور إدريس ولد حرمه ولد ببانه عضو محكمة الحسابات ورئيس إدارة التشريع والترجمة سابقا عن خلط غير موضوعي بين استبدال المجالس الجهوية بمجلس الشيوخ موضحا مجالات تدخل منهما، وبين أن هذا الخلط غير صحيح، وتعرض إلى تأصيل الرقابة في بعدها القانوني، معتبرا أن سبب ذلك تعديل قانوني تمت المصادقة عليه ينص على موافقة الإدارة على الأمور المالية بدل السكوت في حيز زمني محدد بالقانون، وأفاد بأن القانون يكرس إمكانية التعديل من خلال صلاحيات الهيئات الأخرى كالولاية والبلدية.
كما تقدم الأستاذ الجامعي الدكتور ديدي ولد السالك بمداخلة ضمنها قراءة في العوائق التي تحول دون اعتماد تنمية محلية حقيقية ساردا أمثلة من الواقع الذي قال إنه يتميز بهجرة الداخل والتركز في العاصمة.
أما الأستاذ يحي ولد أحمد الوقف فقد قدم عبر مداخلته قراءة سياسية لمسار اعتماد المجالس الجهوية متهما السلطات بأنها قصدت عدم إنضاج التجربة، معتبرا أن عدم مراعاة الجانب التنموي تجربة صعبة.
من جانبه تقدم القيادي البعثي دفالي ولد الشين بمداخلة أخرى تساءل من خلالها عن مشاروة السلطات لجمع الخبراء والقانونيين الحاضرين الذين تقدموا بملاحظاتهم حول الإطار القانوني المعتمد للمجالس المحلية التي سيتم انتخابها، وفي الختام تقدم المحاضرون بالرد على المداخلات والأسئلة ليتم اختتام الندوة من قبل المركز.