كورونا وصعود مفهوم الوطنية

نجاة السعيد

يشغل كورونا الأوساط الطبية والاقتصادية، وكذلك يشغل منظري السياسة والعلاقات الدولية. تفشي فيروس كورونا أطلق صوت الوطنيين وحماة الدولة الوطنية بعدما ساد فكر العولميين لفترة طويلة. فقد كتب عن العولمة الكثير من الأكاديميين والمنظرين مثل كينشي أوماي في كتابه، «العالم بلا حدود»، بعد عام من سقوط جدار برلين سنة 1990، لكن الحدود تعود الآن بقوة بسبب أزمة كورونا.
الصراع بين العولميين والوطنيين هو على خلفية مفهوم الدولة الوطنية، فالعولميون يرون أن العالم يجب أن تحكمه حكومة عالمية واحدة، ومن ثم يجب حل جميع الحدود بين الدول، والدوافع لذلك سياسية واقتصادية. أما الوطنيون فيرون هذا تجنياً على الدولة الوطنية ما يؤثر على سيادتها وهويتها والتبعات الاقتصادية السلبية كالبطالة. وقد اشتد الصراع بين العولميين والوطنيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وبينما يحاول العولميون صد هذا التوجه، جاءت أزمة كورونا لتدعم الوطنيين.
هناك ثلاثة أسباب رئيسة تجلت بها أهمية الدولة الوطنية خلال أزمة كورونا. أولاً، أكدت الجائحة أن الناس في أوقات الطوارئ يرجعون إلى الدولة الوطنية التي لديها نقاط قوة مالية وتنظيمية وعاطفية تفتقر إليها المؤسسات العالمية. ثانيًا، في حين أن القادة ذوي التفكير العولمي يتحدثون دائماً عن أهمية التعاون عبر الحدود لمواجهة التهديد المشترك، أثبتت هذه الأزمة أنهم يقولون ما لا يفعلون. فقد فرضت العديد من الحكومات الليبرالية قيوداً على السفر والتجارة أكثر قسوة مما تجرأ ترامب عليه بفرضه حتى في ذروة الأزمة، وهي تفعيل توطين الإنتاج. كشفت الأزمة عن هشاشة سلاسل الإمداد العالمية والحاجة إلى المنتجات المحلية. إنه لأمر مثير للدهشة أن نرى في هذه الأزمة البلدان المتقدمة تعاني من نقص كبير في الإمدادات الطبية الضرورية.
ففي الولايات المتحدة وجدنا هناك نقصاً في معدات الحماية الشخصية مثل الأقنعة وأجهزة التنفس ما يعرقل قدرة الموظفين في مجال الصحة على العمل وإسعاف المرضى. لقد ذكر بيتر نافارو، وهو أكثر موظفي البيت الأبيض حماسة لمفهوم الوطنية، بأن أزمة كورونا أثبتت «في حالة طوارئ الصحة العامة العالمية، تكون الولايات المتحدة لوحدها». فمن المؤكد أن استيراد 97% من المضادات الحيوية في أميركا من الصين لن يبدو مقبولاً مرة أخرى.
وقد ظهر هذا النقص الطبي بشكل أكبر في أوروبا. فبسبب هذا النقص، حظرت فرنسا وألمانيا تصدير أقنعة الوجه، فالحاجة هنا جعلتهما لا يعنيان بالتزامات العولمة وتعهدات الاتحاد الأوروبي. والأمر الأكثر إثارة للصدمة لم تستجب أي من حكومات الاتحاد الأوروبي ال 26 لنداء إيطاليا العاجل للحصول على المساعدة الطبية، وفي المقابل استجابت الصين. أما في إسبانيا، فقد سحبت الحكومة من الأسواق أجهزة الكشف عن فيروس كورونا صينية الصنع، بعدما تبين لهم نتائج غير دقيقة للأجهزة بمعدل 30 في المئة ما اعتبروه لا يتوافق مع معايير الجودة الصحية الأوروبية.
كل هذا يشير أننا بدأنا بالدخول إلى عالم أقل عولمة وبمجرد أن يختفي ذعر وباء كورونا، فإن أولئك الذين يعتقدون عولمة المنتجات وعالم بلا حدود أمراً جيداً سيحتاجون إلى إثبات ذلك بطرق عملية من دون تنظير.

* نقلا عن "الاتحاد"

اثنين, 30/03/2020 - 22:47