قُتل الزعيم التاريخي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الجزائري عبد المالك درودكال برصاص القوات الخاصة الفرنسية في شمال مالي بعد أن كان بعيد المنال لوقت طويل. فكيف كانت ملاحقة هذا الزعيم الجهادي المخضرم.
شائعات عديدة تحدّثت عن موته خلال العقد الماضي، لكن رحلة درودكال، هذه المرة، انتهت في شمال شرق مالي عن عمر ناهز 50 سنة على بعد حوالي 80 كيلومترًا شرق تيساليت وعلى مرمى حجر من الحدود مع الجزائر.
قُتل عبد المالك درودكال، الزعيم التاريخي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، 3 يونيو، خلال عملية بقيادة الجيش الفرنسي. وصل القائد الجهادي مؤخرًا من الجزائر برفقة العديد من قيادات التنظيم الذي أسسه في يناير 2007.
ونفذت العملية من قبل القوات الخاصة الفرنسية التي وصلت إلى المنطقة بطائرة هليكوبتر ونفّذت إنزالا على الأرض. كما قُتل العديد من الأفراد الآخرين في نفس الوقت الذي قُتل فيه دروكدال لا يزال التحقق من هوياتهم مستمرا وقد يكون من بينهم بعض كبار قادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
التعرف على الجثّة
عدة أدلة تم من خلالها التأكد رسميا من جثة عبد المالك درودكال حتى ولو كان الجنود الفرنسيون لم يستخدموا اختبارات الحمض النووي. وقال مسؤول فرنسي رفيع "هناك كم هائل من الأدلة يؤكد على وجه اليقين أن الأمر يتعلق به"، فمن بين المعتقلين من أكد أن الجثّة تعود له.
تصفية درودكال بفضل مجموعة من عمليات الاستخبارات البشرية والتقنية التي جمعتها القوى الفرنسية والأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية. وقال مصدر مطلع "منذ أسابيع قليلة تم رصد قادة التنظيم في طريقهم من الأراضي الجزائرية إلى شمال مالي". وبمجرد دخول هذه المجموعة إلى الأراضي المالية تمت مراقبتهم عن كثب وصدرت أوامر لشن عملية للقوات الخاصة لقتلهم.
وقد كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على علم مباشر ببدء العملية ونتائجها. وأشعرت باريس السلطات الجزائرية بعد اكتمال الغارة والتأكد من هوية درودكال. لكن لم يتم الحديث عن الموضوع خلال المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون.
الملاذ الآمن
في حين قيل أنه كان مختبئًا في مكان ما في شرق الجزائر مخفيًا مع حراسه قرب الحدود التونسية أو حتى في ليبيا قبل أن ينتقل عبر الصحراء الجزائرية الشاسعة ليجد ملجأ في مالي التي أصبحت ملاذاً آمنا للجماعات الجهادية.
فلماذا تنقل الرجل، في هذا الوقت، وهو الذي كان مختفيا منذ خمس سنوات على الأقل مخاطرا بترك معقله الجزائري للذهاب إلى مالي في صحبة العديد من المسؤولين التنفيذيين في منظمته؟
هل كان ينوي هو ورجاله اللجوء إلى مساحات الصحراء في منطقة الساحل للفرار من بلد تم فيه القضاء فعليًا على أنشطة الجماعات الإرهابية؟ هل كانت حركة استراتيجية لإعادة نشر التنظيم، على الرغم من نشر أكثر من 5000 جندي فرنسي في المنطقة كجزء من عملية برخان؟
التنافس بين الجماعات الجهادية
في مالي تفسّر عدة مصادر وصول درودكال إلى مالي، من خلال الاشتباكات بين الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة وتلك الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. منذ بداية العام اشتبكت هذه الجماعات في وسط مالي وكذلك على الحدود مع بوركينافاسو، حيث يحاول كل منها يحاول تعزيز نفوذه في هذه المنطقة.
يمكن أن يؤدي استغلال المعلومات التي تم جمعها في نهاية الغارة الفرنسية على أي حال إلى تقديم إجابات على الهدف الذي يسعى إليه عبد المالك دروكدال من خلال الهجرة غير القانونية إلى مالي. يمكن أن يوفر استغلال تلك المعلومات أيضًا إلى تحديث المعلومات عن التنظيم الجهادي الذي يبدو أنه فقد مكانته تمامًا في الجزائر ومنطقة الساحل.
عبد المالك درودكال كان أحد قدامى المقاتلين في الجماعات المسلحة الجزائرية في عقد التسعينات الدموي. ويعني القضاء عليه إلى نهاية جيل من القادة "الإرهابيين" الذين حملوا السلاح في هذا البلد في أوائل التسعينات. ويأتي إيقافه بعد تصفية أو اختفاء أمراء آخرين عملوا تحت راية المنظمات الإسلامية المسلحة المختلفة بالجزائر.
وهكذا تم القضاء على أحد مساعديه الرئيسيين، الجزائري عبد الحميد أبو زيد، في فبراير 2013، أثناء عملية سرفال، في أدرار ديس إيفوغاس، وهي سلسلة جبال تقع في أقصى شمال شرق مالي. هناك شخصية رمزية أخرى هي مختار بلمختار الذي كان وراء اختطاف الرهائن الدموي لموقع الغاز الجزائري في عين أمناس في يناير 2013 وهو مختف منذ خريف عام 2016 وسط مزاعم أنه تم القضاء عليه بضربة من الجيش الفرنسي في ليبيا. أما بالنسبة لجمال عكاشة وهو قيادي آخر مقرب من درودكال فقد قتل في فبراير 2019 في شمال مالي على يد الجيش الفرنسي.
مطاردة طويلة
القاسم المشترك بين هؤلاء القادة هو عضويتهم السابقة في الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية والقضاء عليهم سيمكن المالي إياد أغ غالي من اكتساب زخم أكبر. ينتمي للطوارق من قبيلة إيفوغاس وقد أسس جماعة دعم الإسلام والمسلمين، في مارس 2017، وهو اليوم، أحد القادة الجهاديين الرئيسيين في منطقة الساحل.
درودكال الذي كان ينشط سابقًا في الجماعة الإسلامية المسلحة أصبح في صيف 2004 أميرًا وطنيًا للجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أجبرتها سياسة المصالحة الوطنية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكذلك نجاحات الجيش الجزائري في الحرب ضد الإرهاب، على تغيير الاستراتيجية من خلال اختيار الانضواء تحت راية تنظيم القاعدة اعتبارًا من عام 2007. ثم دعا دروكدال إلى اتباع نفس الأساليب التي تتبعها هذه المنظمة، حيث لجأت بشكل خاص إلى الهجمات الانتحارية التي نفذها انتحاريون مدربون.
في الجزائر استهدفت مثل هذه الهجمات القافلة الرئاسية، في عام 2007 ، والمباني العامة وثكنات الشرطة أو الجيش. لكن كيف استطاع درودكال الهروب من مطاردة الخدمات الجزائرية لمدة خمس عشر سنة على الأقل؟ إن طول عمره يفسره أولاً، وقبل كل شيء، طبيعة التضاريس التي كان يتحصّن فيها مع رجاله.
لكن اختطاف السائح الفرنسي إرفي غورديل ثم قطع رأسه، في سبتمبر 2013، على مرتفعات القبايل غيّر الوضع جذريًا. لذلك؛ نشر الجيش الجزائري حشودا كبيرة لتعقب والقضاء على المجموعة المسؤولة عن هذا الهجوم قبل "تنظيف" هذا المركب. ثم أجبر النشر الدائم للجنود في المنطقة درودكال على الفرار. ويشتبه في أنه لجأ إلى شرق البلاد.
كما يُفسّر بقاءه أيضا بحذره الشديد. فلم يثق درودكال إلا بدائرة صغيرة من حوالي عشرين شخصًا خدموه كدروع وحراس شخصيين. ربما مات بعضهم معه.
لتجنب رصد وسائل المراقبة التي وضعها الجيش الجزائري كاد عبد المالك درودكال أن يحظر استخدام الهاتف والإنترنت. تم تمرير التعليمات شفهيا. لكن في 3 يونيو عند حدود الصحراء والساحل تقلّب حظ الزعيم "الجهادي".
ترجمة الصحراء
لمتابعة الأصل اضغط هنا