للإصلاح كلمة : علي هامش الملحمة الإسلامية الأخلاقية بين الرئيس جميل والإمام عبد الله أمين

محمدّو بن البار

كلمة الإصلاح تود أن تكتب هوامش عن تلك الملحمة لكنها خجولة من ذلك بسبب قوة الإعجاب والإكبار لعملاقي الحركات الإسلامية المعاصرة : السيد الرئيس جميل منصور والسيد الإمام عبد الله ولد أمين ، الذين وهبا لله شبابهما وكهولتهما للجهاد الفكري والعملي للإسلام كعقيدة ومنهج وحيد للطريق المستقيم في الدنيا وملجئا آمنا له في الآخرة ، وما زال حبل فكرهما العملي في هذا السبيل علي الجرار ، أعانهما الله علي ذلك وأطال في عمرهما حتى يريا ثمرة فكرهما وعملهما يانعة ، وإنتاج الثمرة تعيش به غالبية الإنسان التي لم يحق عليها قول الله بسبب تمسكها بباطلها.
إن من اضطلع علي تداخل الجمل التي تكاد أن تكون كل واحدة منها جزءا من كلام الآخر لتشابه العبارات والنيات والإخلاص يتيقن أن المصدر صادر من معين واحد ،.
وبهذا المعني المفهوم من تلك الملاحم إسلامية الأسلوب المجسدة للاحترام المستحق لكل واحد منهما علي الجميع ولاسيما من بعضهما البعض ، كما يؤكد ذلك ذكر الصداقة والثبات عليها إلي آخره :
فإني أنا بدوري أود أن أؤكد بأن هوايتي لله الحمد هي التعلق الدائم بشخصية من اختارهم الله لتبليغ رسالة الأنبياء – وخاصة رسالة من اختاره الله أن يحمله آخر رسالة في الدنيا للإنسانية وفي نفس الوقت عامة لها – أي من اختاره الله خليفة له في الأرض بعد نزول هذه الرسالة في قوله تعالي : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )) ولتحقيق استمرار مراد الله في خلق الإنسان وهي العبادة له علي بصيرة من الرسالة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن هنا أود أن أوضح أن هذا التعلق بهؤلاء المختارين للتبليغ والمجاهدين في ذلك فهمته من قراءتي لأصل الرسالة نفسها بعد خروجي من موريتانيا في آخر الستينات ، وفهمي أن حقيقة الرسالة الخالص ما هو موجود في الأصل وما نوه عنه الأصل أنه جزء منه في قوله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) ، فمراجعة نفس الآيات القرءانية علي كل الاتجاه القرآني في تشدده ولينه ، والوسطية في ما بين ذلك وما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم جعلني أشترط علي هوايتي وفكري في العلاقة بفكر وجهاد أي إنسان هو موافقة اعتقاد وفكر هذا الإنسان لما جاء نصا صريحا في الأصل غير متشابه في الآيات الموجودة بين دفتي المصحف ، وما أوجبت تلك الآيات من الإتباع من غير التواء لقول وفعل وتقرير النبي صلي الله عليه وسلم ، يقول تعالي : (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون )) ، وقد وضعت مع إخلاصي وحبي لذلك المفكر هامشية إنسانيته وكونه معرض لأي خطأ ، وهنا استشهد بفقرة من الشيخ خليل : " وإن قام إمام لخامسة فمتقين انتفاء وجوبها جلس وإلا بطلت " فهذه القاعدة هي التي يجب أن يكون عليها متابعة أهل الدنيا في ما بينهم ، وهذه الفكرة لا تعني بحال من الأحوال مذهب أهل الظاهرية لأن أولئك ظهروا في زمن المذاهب التي كلما تمكنت من فكر أي أحد مخلصا لله فلا تتنبه أن أي مخلص لله يقول فيه الشيطان الرجيم عكس ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم الرحيم في جنازة اليهودي ( نسمة انفلتت مني إلي النار ) ولكن الشيطان اللعين يقول نسمة انفلتت مني إلي الجنة ، فيجلب الشيطان عليها بخيله ورجله كما أذن الله له بذلك بأمره مع قضية لعنته له وأتباعه ، فيأتي إلي المخلص وهو في أشد العداوة له ، ولكن الله جعل في كل إنسان مقعدا متقدما في قلبه للشيطان وعنده حيثياته الخبيثة ليجعلها لقاحا لذلك الفكر الطيب ليفسده علي صاحبه المخلص ، وتلك اللقاحات منها حب العظمة وكثرة الأتباع والرياء إلي آخره ، ولم يسلم من تلك الشياطين المتخصصة في إفساد أصحاب الأفكار الدينية السليمة من هذا التدخل الشيطاني إلا النبي صلي الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح ما معناه " أنه ما من إنسان إلا ومعه قرين من الشياطين ، قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه " ومع إعانة الله له هذه فلم يترك الشيطان محاولة التشويش عليه كما قال في الحديث الصحيح ما معناه أيضا أنه كاد مرة أن يقطع عليه صلاته ولكنه تمكن منه ، وأنه لولا طلب أخيه سليمان من الله اختصاصه بملك الشياطين لأمسكه في سارية المسجد حتى يراه الجميع.
هذه المعلومة الصحيحة التي أوضحها كذلك مالك بن أنس في قوله : " أن كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلام النبي صلي الله عليه وسلم " جعلتني أحب أصحاب الاتجاهات نحو الدعوة المأخوذة من النصوص القرآنية أو الأحاديث الصحيحة المفسرة لها ، لأنه قل أن تجد آية في الدعوة ولاسيما آيات ما بعد الدنيا إلا وتجد حديثا مفسرا لها ، ومعروف أن مراعاة المصير في ما بعد الموت هو المهم عند المسلم  مهما كان ، فالزمن في الحياة مخصص له قليل من الدنيا لكل شخص مهما كان وضعه فيها ، أما السكن في ما بعد الموت فلا نهاية له ، بمعني أنه عندما تحضر الملائكة الذين وكلوا بأخذ الأرواح ، إما أن تجد الإنسان طيبا ، ومعني تلك الطيبوبة هنا هو وجوده يحمل قلبا سليما مثل إبراهيم عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام أي سليما من غير الله في أي اتجاه ، وكان الله موجودا وحده في قلبه ، فلا إنس ولا جن ولا سلطان معه في القلب ، فيقولون له : (( سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) ، وإما أن يجدوا في قلبه أي مثقال ذرة لأي إنسان أو جن أو سلطان فيما يختص به الله جل جلاله من نفع أو ضر أو تشريع أو تحريف لمعني آياته إلي آخره ، فيكون ظالما لنفسه ويقولون له بعد تلك المراجعة : (( فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها )) ، ونظرا لخطورة نوع السكني في ما بعد الموت والذي لا يعني مكانه في الحياة الدنيا فإن هوايتي كما قلت هو حب أهل الخير كلهم حيثما كانوا عندما يكونون غير متعلقين بشخص آخر ظانين أن الشيطان لا قدرة له علي التقرب منه بحال من الأحوال.
فهذا الإنسان غير موجود في الدنيا إلا بالدعوي الباطلة ، فالأنبياء وحدهم نتيجة اتصالهم بالله المادي أي بالوحي ، فعندما يأتيهم الشيطان ويتمني في أمنياتهم أي في طلبهم لله أو وحيه إليهم فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ، ولذا فنحن نقرأ في القرآن كثيرا من توجيه الله لأنبيائه عندما يجتهدون هم أنفسهم قبل الوحي فينزل الوحي ليبين لهم الطريق المستقيم في الفعل ، فبالنسبة للنبي صلي الله عليه وسلم هذه رؤوس آيات تدل علي ذلك : (( ما كان لنبيء أن يكون له أسري حتى يثخن في الأرض )) إلي آخره ، وأيضا : (( عفا الله عنك لم أذنت لهم )) إلي آخره ، وأيضا قوله تعالي : (( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك )) إلي آخر الآية ، أما بالنسبة لموسي عليه السلام فصرح أن قتله للقبطي أنه من عمل الشيطان به ، أما داوود فقد غفر الله له عندما جاء الخصمان لامتحانه في الموضوع فحكم بمجرد سماعه لحجة الخصم الأول فقال : ((لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلي نعاجه ) ، فانسحب الخصمان فظن داوود أنه اختبار من ربه ولم ينجح فيه ، فاستغفر ربه وأناب فقال تعالي : (( فغفرنا له ذلك )) بالفاء التي تأتي للتعقيب مباشرة وهي دائمة مع سرعة  الاستجابة وخاصة للأنبياء لصفاء نياتهم مثل : (( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون )).
هذا المدخل الذي بدأ بمحاولة الشياطين التأثير علي الأنبياء في رسالتهم وتدخل الوحي لتصحيح الرسالة أجعله مقدمة في الحلقة الأولي لنقاش الملحمة الإسلامية الأخلاقية التي حصلت أو ما زالت جارية بين العالمين فكرا وسلوكا وإخلاصا لنبين المعذرة بما تقدم من محاولة الشياطين التأثير علي الأنبياء لنجر ذلك إلي توضيح إدخال الشيطان لأنفه لكل عالم أو مفكر إسلامي في تقديس من رضي عن فكره سواء كان "ترابيا" أو "غنوشيا" أو "سلفيا" إلي آخره ، فإلي الحلقة القادمة بإذن الله.
 

خميس, 26/11/2020 - 14:15