في حقبة التسعينات استجد نقاش بشأن الدجاج المعلب، واختلف الفقهاء في ذكاته، وأفتى كل بما أراه الله. ولم تكن إذ ذاك قد ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، ولا كان الجهلة قد اتخذوا منابر يتحدثون منها في أمور الفقه، ويفتون الناس بغير علم.
كان النقاش الفقهي مصانا عنا معاشر العامة، ولنا في ذلك سعة. نمارس جهالاتنا وضلالاتنا بعيدا عن التأثير بها على من هم أكثر عوممة منا. وكنا نكسب بها سيئات أقل.
كنت ضحية من ضحايا النقاش الفقهي، فقدت وظيفة نادل محترم في مطعم الرضا بسبب أخذي برأي محرمي الدجاج. كانت تلك الوظيفة تسمح لي باستحمام مجاني يومي تحت الرشاش، وأكل وجبة من مطعم، وكانت توقظني صباحا لأزاحم طالبات الحلال من بائعات الخضار والحوت في سوق مسجد المغرب.
في خضم النقاش الفقهي لقيت صديقا لي لبقا، ذكيا، غير محافظ جدا أيامها، وإذا به يأكل الدجاج المعلب، وعند سؤالي إياه عن الفتوى التي يعتمد عليها.. أخبرني أنه اتصال هاتفيا بأحد فقهاء البلد وسأله عن الدجاج المعلب، فأجابه: "استعمل الدجاج حتى تأتيتي". وأضاف الصديق الحذق من عنده، وأنا لست عازما على إتيانه ما بقي من حياتي، فسأظل آكل الدجاج بناء على فتواه.
وقياسا على تصرف صديقي الثقة أهنئ الناس بالسنة الميلادية الجديدة حتى تعود الأيام سيرتها الأولى وتختفي منابر الفتوى المفتوحة أمام العامة.. ويعود للنقاش الفقهي بعض صونه.
قلت: حتى تختفي المنابر المفتوحة أمام العامة لأن ذلك سيكون أقصر أجلا من انتظار اتفاق مفتي العامة على حكم التهنئة بالسنة الميلادية.
كل عام وأنتم بألف خير.. سنواتكم مسرات، وأفراح وعرفان بالجميل..