أميركا وفتنة السادس من يناير

إميل أمين

على غير المتوقع، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إجازة أعياد الميلاد سريعا، رغم ما أشيع عن أنه لن يرجع ثانية إلى البيت الأبيض، وأنه قد يُكَلِّف نائبه بنس بمتابعة شؤون الدولة حتى العشرين من يناير، موعد تنصيب الرئيس المنتخب السادس والأربعين جوزيف بايدن.

 

لكن ترامب، وبسرعة ملحوظة، عاد إلى البيت الأبيض، فيما ألغى نائبه زيارة كانت مقررة في التاسع من يناير الجاري لإسرائيل وبولندا والبحرين.

 

التساؤلات تتسارع عن سبب ما يجري في البيت الأبيض، وهل هو موصول باحتمالات مواجهة أميركية مع إيران في الأيام القليلة القادمة، لا سيما وأن التصريحات الواردة من طهران تفتح أبواب الحرب واسعة مع الولايات المتحدة، وسواء كان الأمر متعلقا بعملية عسكرية محدودة أو بصراع كبير يبدأ إقليميا ثم يُقَدَّر له أن يمضي دوليا، أم أن المشهد له علاقة بالسيناريوهات التي يُرَتِّب لها الرئيس الأميركي والخاصة برفضه الاعتراف بفوز بايدن وإصراره على أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد تم تزويرها جملة وتفصيلا.

 

يبدو ترامب في الأسابيع الأخيرة مثل الأسد الجريح، ويكاد المُلاحِظ لكثير من أفعاله في أسابيعه الأخيرة يُوقِن بأنه يسعى لهدم المعبد على من فيه، الأمر الذي جعل الكثيرين من الفريق الرئاسي في البيت الأبيض يشعرون بحالة من القلق، وبخاصة بعد الدعوات المثيرة للفتنة التي وجهها ترامب إلى ملايين المؤيدين له في طول البلاد وعرضها.

السادس من يناير هو موعد اجتماع الكونغرس بغرفتيه، لإقرار نتيجة التصويت في الكلية الانتخابية، والتي تَحَصَّل فيها بايدن على ما يكفل له الفوز وبجدارة.

 

غير أن خطط ترامب تسعى إلى تعميق الشرخ الأميركي في ذلك اليوم من خلال الاعتراض على نتيجة التصويت في ذلك الاجتماع، ذلك أنه يمكن بالفعل لأي عضو في مجلس النواب، إذا انضم إليه أحد أعضاء مجلس الشيوخ، أن يعترض على الأصوات الانتخابية، وقد يؤدي ذلك إلى نقاش في الكونغرس يتبعه تصويت في كل من المجلسَيْن.

 

هل وجد ترامب من يساعده على تنفيذ "حيلته الخطيرة"، لتعكير صفو المسيرة الأميركية على عتبات رئاسة جديدة؟.

 

يبدو أن الأمر كذلك بالفعل، فقد أعلن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ميزوري، جوش هولي، أنه سيعترض الأسبوع المقبل، حين يجتمع الكونغرس للمصادقة على تصويت الهيئة الانتخابية.

 

لا يبدو أعضاء الحزب الجمهوري والذين يسيطرون على مجلس الشيوخ على قلب رجل واحد، فقد خرج من بين صفوفهم من يرى أن مثل تلك الخطوة مضيعة للوقت، وخطوة تزيد الفرقة بين الجمهوريين أنفسهم، سواء في مجلس الشيوخ أو النواب، ومن بين هولاء السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا، بن ساس، والذي اعتبر أن محاولات ترامب التفافا على الحقيقة الواضحة، وهي أن ترامب خسر الانتخابات، وأن فوز جو بايدن صحيح ومؤكد وشرعي مائة بالمائة.

 

يتساءل المراقبون: ألا يُعير ترامب انتباها ما لمستقبل الحزب الجمهوري، حتى ولو جاءت تصرفاته لتصيب القواعد الجماهيرية للحزب بشكل فاعل ومؤثر؟.

 

مؤكد أن الرجل قد جاء من خارج أي سياق سياسي أو حزبي، وعليه، فإن ما يشغله هو مستقبله هو وحده، وهو يدرك أن الحزب الجمهوري قَبِلَ به مرشحا العام 2016 على مضض في مواجهة هيلاري كلينتون.

 

على الجانب الآخر، يدرك سادة الحزب وفي مقدمهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، أن حيلة ترامب لا تُجدِي، وأن السهم نفذ، ولا فائدة من محاولات ترامب، وحتى اعتراض أحد الجمهوريين لن يغير النتيجة الحتمية، وإن أدى الأمر إلى تأخير عملية المصادقة، من خلال نقاش مُطَوَّل، سيؤدي في النهاية إلى إحراج عميق للجمهوريين أمام الرأي العام الأميركي.

 

لم يعد الرئيس ترامب مهموما أو محموما بالنظرة العالمية لأميركا، واحة الديمقراطية، والتي خسرت كثيرا جدا من يوتوبيّتها ومثالها غير المسبوق في عيون العالم، بعد الانتخابات الرئاسية، حيث هناك الملايين في الداخل الأميركي يؤمنون، وعن صدق، بأن الانتخابات قد جرى تزويرها، وأن عملية إزاحة عمدية ومقصودة قد جَرَتْ للرئيس ترامب الآتي من بعيد جدا عن المؤسسة السياسية، سواءٌ الظاهر منها للعيان أو الخفي منها في سراديب ودهاليز الدولة العميقة.

 

الإشكال الأكبر في فتنة السادس من يناير لا يتوقف عند حدود النخبة السياسية، بل يقرع بأيدي قد تضحي عند لحظة زمنية مثيرة ومؤلمة مضرجة بالدماء، إذا وصل التشارع والتنازع إلى عموم الأميركيين، وهو احتمال قائم بشدة في ضوء دعوات الرئيس ترامب لأنصاره للاحتجاج علنا أمام الكونغرس نهار السادس من يناير القادم، الأمر الذي يشبه الدعوات للتظاهرات المليونية التي عرفتها دول عديدة حول العالم خلال العقد الماضي.

 

دعوات ترامب، وبحسب توقعات في الداخل الأميركي، قد يستجيب لها في أضعف الأحوال آلاف المؤيدين من الذين ينتمون إلى مجموعات مختلفة من كل أنحاء البلاد.

 

نجح ترامب في مغازلة الرجل الأبيض الذي بات يخشى على أكثريته وسط تحولات ديموغرافية قَلَّصت سيطرته إلى حدود 60 في المئة من تعداد السكان، فيما أقليات وعرقيات أخرى تتصاعد حظوظ أرقامها.

 

وخلال ثلاثة عقود سيتراجع الرجل الأبيض حتما، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، ستصبح أميركا جمهورية أخرى غير تلك التي وضع لبناتها جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، أو بنجامين فرانكلين، وغيرهم من الآباء البيض المؤسسين.

 

"أراكم في واشنطن في السادس من يناير... لا تُفَوّتوا ذلك ...ارفُضوا أكبر عمليّة احتيال في تاريخ أُمّتِنا"، هكذا خاطب ترامب مؤيديه في الساعات الأخيرة من ديسمبر المنصرم، وقد وجدت دعوته استجابة فورية من قِبَل جماعات يغلب عليها الطابع اليميني، مثل جماعة "أوقفوا سرقة الأصوات"، والتي انتشرت دعواتها على الإنترنت وفيها – ولينتبهْ القارئ إلى لهجة الحديث – "نحن الشعب علينا النزول إلى باحة الكابيتول والقول للكونغرس لا تصادقوا على النتيجة".

 

المزعج حقا أن تلبية دعوات ترامب لم تتوقف عند حدود العوام من الأميركيين الجمهوريين، بل انتقلت على بعض المسؤولين ومنهم "مدعون عامون"، باتوا يجاهرون بفوز ترامب وخسارة بايدن، وبالضروة تزوير إرادة الأميركيين، ما يُلقِي بالكثير جدا من البنزين على الحطب المشتعل في صحراء الديمقراطية الأميركية.

 

قبل بضعة أيام، كتبت صحيفة "نيويورك بوست"، إحدى أهم الصحف التي دعمت ترامب في افتتاحيتها ما نصه : "نحن نتَفَهّم سيادة الرئيس، إنك غاضب، لأنك خسرت، لكن الاستمرار في هذا الطريق مُدمِّرٌ. نحن نقدم هذا النصح كصحيفة أَيَّدتْك ودعمتْك، إذا كنت ترغب في ترسيخ نفوذك، أو حتى تمهيد الطريق لعودةٍ مستقبلية، فيجب عليك توجيه غضبك إلى شيء أكثر إنتاجية".

 

الغضب ليس جميلا كما يقول كانت، والفتنة لا تفيد، لا سيما إذا كانت إيفانكا ترامب سوف تسعى للترشّح للرئاسة عما قريب.

 

على ترامب أن يراجع الطريقة التي تعامل بها بوش الأب بعد هزيمته مع بيل كلينتون، وكيف أنه دعاه إلى البيت الأبيض، وقام باحتوائه ومساعدته، ما مَهَّدَ الطريق واسعا لجورج بوش الابن عام 2000.

نقلا عن الشرق الاوسط

 

ثلاثاء, 05/01/2021 - 10:18