= إذا رأيت السارق الأحمر والمفسد الأكبر ينتقل من السجن، بحكم القضاء، إلى بلاط الحاكم، مكرما فيه، آمرا ناهيا بسلطانه...
= إذا رأيت اللص يستبيح فيء الغرامات والضرائب العقابية المفروضة باسم الدولة، ويستولي على شطره لنفسه باسم الدولة ذاتها، وسلطانُها منشرح صدره بذلك أيما انشراح...
= إذا رأيت وزير الجباية يرهق صغار التجار والحرفيين بضرائب عشوائية، تؤخذ غلبة من ضعافهم وغربائهم، وتعفى أو تخفف لكبرائهم و"شرفائهم"...
= إذا رأيت الأسرة الفقيرة تصارع المجاعة وتمضي عليها الليالي ذات العدد لا تجد ما تغير به ماء سفة "الكسكس" القليلة، وتفرح يوم تجد ثمن سمكة "ياي بوي" صغيرة أو ربع ديك مستورد، فيه تنشيم من أثر انقطاع الكهرباء عن ثلاجة الدكاني... ثم تسمع وزيرا في السلطة يحدث الناس بـ"براءة" عن إنفاق فضول رواتبه وصناديقه المليونية في شراء الذمم وتجنيد جواسيس لمكتبه...
= إذا رأيت الشيخ الفاني ملقى على أرضية قذرة بمستشفى حكومي لا يلقى من الأُساة والممرضين إلا الاشمئزاز أو الإهمال... ورأيت الشاب، أو الشابة، يذبل ويستسلم لدائه يمتصه ويُعرِّق عظمه ثم يرديه بعد حين، لأن ذويه لا يملكون مالا ولا نفوذا لإجراء الفحوص والعمليات وشراء الأدوية لعلاجه في أطباب الدولة، فضلا عن العيادات الخاصة، فضلا عن الخارج...
= إذا رأيت كيف يحصل المقربون والمتنفذون وأولو الطَّول على قطع أرضية بحجم 1200م2 في مناطق العناية والخدمات، ورأيت كيف يحصل الفقراء "المحظوظون" على قطع 120م2 في مناطق الحرمان على شاهق أو في هوة أو فوق كومة نفايات لا يصلها إلا ذباب قليل الحاذ...
= إذا رأيت المتعلم المتصدر للشأن والقيادة، من ذكر وأنثى، يشتُم الحاكمَ ويلعن نظامه ويعدد نواقصه ويشهر مساوئه وإخفاقاته ومخالفاته، بلسانِ وقلم العارف الخبير والصادق النزيه... ثم إذا هو بعد ذلك من شيعته ومؤيديه، يتفنن في وصف محاسنه وتعداد إنجازاته "العملاقة"... وما ذالك عن تغير في مواقف الحاكم ولا تحسن في نظامه ولا طُروِّ شيء عليه؛ وإنما لأنه، أو أنها، وجدت لديه مستقرا وظيفيا مربحا أو متاعا شخصيا إلى حين... دون خجل ولا حرج من المعنِي ولا إنكار من غيره...
= إذا رأيت قضاء وأجهزة أمن عمومي وقانون كسيحة بلا وسائل مادية ولا تجهيز ولا تكوين، ثم رأيت صغار اللصوص وقطاع الطرق يروعون الناس ويهددون حياتهم وأموالهم وأعراضهم، ويقعدون لهم كل زقاق، ويقتحمون عليهم متاجرهم ومخادعهم بجرأة ووقاحة تحت تهديد السلاح...
=.....
إذا رأيت كل هذا رأي العين ولم تكن أعمى أو أعشى... فاعلم أن "الدولة" في هذه البلاد باتت لها معنى آخر لا يعرفه العالم ولا التاريخ!!
..........................................
نقلا عن صفحة الكاتب