تونسيون همهم الفقر والبطالة في خضم أزمة "اليمين الدستورية" بين سعيّد ومشيشي

تشهد تونس أزمة سياسية وتوترا غير مسبوقين بين رأسي السلطة في البلاد، رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس الحكومة هشام مشيشي على خلفية تعديل وزاري. وتنتهج البلاد منذ ثورة 2011 نظاما سياسيا هجينا بين البرلماني والرئاسي ما ساهم في تعميق الخلافات بين رأسي السلطة في ما يتعلق بالصلاحيات الدستورية.

 

أغلب التونسيين الذين استقينا آراءهم في الشارع بدوا غير مبالين بهذه الأزمة. فحسان صاحب شركة ويبلغ من العمر 44 عاما، التقيناه عند خروجه من مكتبة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، قال لفرانس24 "أنا استقلت من متابعة الوضع السياسي في البلاد، هذه الأزمة لا تفيدنا ولا تعنينا ولا علاقة لها بالواقع التونسي، معارك الفصول الدستورية لا تعني التونسيين البتة." وتابع "هذه المعارك على الفصول الدستورية والقانونية لن تحقق التقدم المنشود للبلاد، يجب الفصل في ذلك سريعا".

 

ومنذ نحو 25 يوما ينتظر 11 وزيرا في تونس مباشرة مهامهم، بينما يحتدم الخلاف بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد من جهة ورئيس الحكومة هشام مشيشي من جهة، حيث عبر سعيّد عن رفضه صراحة وجود وزراء، دون أن يسميهم، في التشكيلة الحكومية المعدلة، معتبرا أنه تتعلق بهم شبهات فساد وتضارب المصالح، مؤكدا عدم قبول أدائهم اليمين الدستورية أمامه لتسلم مهامهم.

 

وفتح هذا الأمر نقاشا دستوريا في تونس حول صلاحيات الرئيس بهذا الشأن،  وما إذا كان فعلا بإمكانه إجهاض حكومة مشيشي الجديدة في المهد، والتي أعلن عنها الأخير في 16 من شهر يناير الجاري. ويأتي هذا التوتر والتجاذب السياسي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة لمواجهة أزمة اقتصادية وصحية حادة وغير مسبوقة. كما تشهد عدة مدن منذ أكثر من شهر احتجاجات تطالب بتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

 

من جانبه منح مجلس النواب يوم 27 يناير/كانون الثاني الثقة للوزراء الجدد على الرغم من الجدل القائم حول أسماء عدة والانتقادات الحادة التي وجهها رئيس الجمهورية بشأن هذه التشكيلة. ومنذ مصادقة البرلمان على التعديل، لم يرسل سعيّد دعوة رسمية للوزراء لأداء اليمين في قصر قرطاج ولم يصدر المرسوم الرئاسي لتعيينهم في مناصبهم.

 

ويوم منح الثقة تجمع مئات المتظاهرين قرب البرلمان نهارا بدعوة من نحو ثلاثين منظمة غير حكومية للاحتجاج على استراتيجية « القمع البوليسي » المعتمدة لا سيما في مواجهة الاحتجاجات الليلية التي اندلعت منتصف يناير/كانون الثاني في المناطق المهمشة في تونس. وردد المتظاهرون "حرية وكرامة للأحياء الشعبية" و"يسقط النظام البوليسي" وأطلقوا شعارات معادية للحكومة وللكتلة الرئيسية في البرلمان، حزب "النهضة".

 

وفي حين يتوق بعض التونسيين، الذين خاب أملهم من جني ثمار ثورتهم، لظروف معيشية أفضل، شجب آخرون التراجع الملحوظ للحريات التي كفلتها الديمقراطية.

 

"التونسي همه الفقر والبطالة"

وتعليقا على الأزمة قال الصحافي أيمن الزمالي لفرانس24 "بعد أن تحولت التحركات الاجتماعية العنيفة إلى تحركات منظمة ومؤطرة، ترفع شعارات اجتماعية وسياسية في آن، فإن استمرار الأزمة السياسية الحاصلة سيكون لها تأثير على مزيد من تأجيج هذه التحركات." والاحتجاجات في تونس بدأت متفرقة في المناطق المهمشة ودون قيادة وشهدت عمليات سلب ونهب، لكنها تحولت لاحقا إلى مظاهرات منظمة وسلمية.

 

وتابع أيمن "الأزمة السياسية المعقدة الحالية، تستنزف كل جهود الطبقة السياسية المهيمنة، بما فيها الحاكمة، وتستأثر بكل اهتمامها، متناسية بشكل كامل المطالب الاجتماعية الملحة لعشرات الآلاف من الشباب العاطل عن العمل، وغاضة الطرف عن الأوضاع الاقتصادية والمالية للدولة التي تتدهور يوما بعد يوم." 

 

برهان، صاحب محل بيع صحف في شارع باريس بالعاصمة، قال لفرانس24 "أحمل مسؤولية الأزمة لكلا الطرفين، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. عمري 60 عاما، والمشاكل السياسية التي شهدتها البلاد خلال العشر سنوات الأخيرة لم يسبق وأن حصلت...المواطن التونسي في غنى عن كل هذا، التونسي همه الفقر والبطالة".

 وتابع الزمالي قائلا "المعركة معقدة في تونس، والفساد مستشر، والمصالح الحزبية والشخصية هي عنوان كل التحركات والتناقضات السياسية، في حين تعيش فئات كبيرة من الشعب ومنها الطموحة اجتماعيا، أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، لن تسكت عليها في حال من الأحوال، وعشرات الاضطرابات التي شهدتها البلاد طيلة العشرية الأخيرة، شاهدة على ذلك".

 

 تونسيون آخرون أردنا الحديث معهم رفضوا الإدلاء بآرائهم وقالوا إن هذه الأزمة لا تعنيهم ولا تمثلهم، أحدهم اكتفى بالقول وهو يواصل سيره "مسار تونس نحو التقدم انتهى منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة." وبالتالي فإن هذه الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد زادت في تعميق القطيعة بين التونسيين والطبقة الحاكمة.

 فرانس24 

جمعة, 12/02/2021 - 15:54