ضاقت الأرض

محمد ولد سيدي

الحق، والحق يقال أن دائرة الزمن، تضيق حينا، وتتوسع أحيانا أخرى، على أقدم تيار سياسي في العالم العربي، إنه التيار الإسلامي، ممثلاًفي جماعة الإخوان المسلمين، والحق أن الإخوان المسلمين وجدوا متنفساً في بلاد المنارة والرباط بعد أن تسلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الحكم، ففتح لهم الباب على مصراعيه، تشاور معهم، التقى بهم، أشركهم في القرار، والغى قانون المنع عن جمعياتهم الخيرية، مع العلم أن اخوان موريتانيا لهم خصوصية، الإبتعاد عن العنف، والدعاية السلمية، والمزاوجة بين المعارضة والموالاة، بل والإنقسام بينهما أحايين كثيرة.
ضاقت الأرض على الإخوان المسلمين بما رحبت، من أنظمة لم تلد من أرحام شعوبها، أو ولدت من أرحام شعوب التماس، فاتخذت من مصالحها، أولوية على حساب، المثل الإنسانية ،تضييق على الحريات، أو تطليق بإحسان كما هو الحال مع تركيا حاليا.
بيد أن ثقبا من الحرية ، كفيل ،بتغيير المعادلة السياسية،مهما كان بطش الحكام، سواء في دول المشرق، أو في دول المغرب العربي،كما هو وقع في تونس.
غير بعيد من موريتانيا، فإن للإخوان المسلمين وزنهم ومكانتهم بالمغرب الشقيقة، بالمقابل فإن جراح الجزائر، في تسعينات القرن الماضي، تعود في بعضها الى حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ودخول البلاد في سلسلة من الإغتيالات المتعددة الأوجه سنوات طوال الى أن جاء عبدالعزيز بوتفليقة، وأعلن عن سياسة المصالحة الوطنية، عندها، وضعت الحرب أوزارها في بلاد المليون شهيد، ودخلت الجزائر مرحلة من الهدوء والسكينة والأخوة ومازالت حتى اللحظة تعزز فلسفة الإصلاح والإستقرار والتغيير بجميع تياراتها وأحزابها ونقاباتها.
رئاسة جو بايدن، ألقت بظلالها على الأزمات الدولية بشكل عام، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا بشكل خاص، تركيا تلتزم الصمت في تحميل الولايات المتحدة الأمريكية للملكة العربية السعودية قضية إغتيال الصحفي جمال خاشقجي، والأزمة الخليجية أصبحت نسيا منسياً،وقطر تحولت من عدو الى وسيط في إنهاء حرب اليمن وتلطيف الأجواء السياسية بين الولايات المتحدة والسعودية وإيران وأردوغان يمتدح السيسي، ويختزل كل الوطن العربي في أم الدنيا، والأزمة الليبية تشهد إنفراجا، ولم يعد لهجوم الفريق المتقاعد حفتر على العاصمة طرابلس من وجود، حيث أبرم إتفاق على حكومة وحدة وطنية لكل الليبيين.
لقد ضاقت الأرض، على الإخوان فعلاً،حينما التقت مصالح العملاقين تركيا العثمانية، ومصر الفرعونية، وقف البرامج السياسية المحرضة في قنوات الإخوان المسلمين الموجهة الى مصر والدول العربية، أو مغادرة البلاد، فمن سيحتضن الإخوان إن هم ذهبوا عن تركيا؟
لاشك أنهم سيجدون ملاذا آخر، ولا شك أن لعنة المصالح المشتركة ستطاردهم أنى حلوا، وارتحلوا،ومن يراهن منهم على الضغوط الغربية، من أجل حرية الرأي والتعبير،فإنه واهم...
لم يجد جديد على مستوى الحريات العامة وحقوق الإنسان في أغلب البلدان العربية ، ولئن كانت حرية التعبير هي سبب شرارة الربيع العربي،فضلا عن تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية، فإن تلك الأجواء مازالت قائمة، وعليه فإن كل أشكال التضييق على الإسلاميين، وغيرهم من المنظمات الحقوقية، والسياسية، والتنظيمات المدنياتية، يسرع في نهاية الأنظمة الشمولية، الحل الأفضل، لصالح الطيف الإجتماعي، والسياسي هو، المصالحة الوطنية ،فقد استأصل الحبيب بورقيبة الإخوان المسلمين، وشتت شملهم،وواصل الراحل زين العابدين بن علي، سياسة القمع والإبعاد القسري، فلما استنشق الشعب التونسي عبير الحرية، سنة 2011 قال كلمته، فوقع زلزال سياسي في تونس ومصر وليبيا، وتلتهم السودان،ومازالت بلدان تعيش مخاضا عسيرا لايمكن التنبؤ بنتائجه،وفي أغلب الأحيان فإن الشعوب هي الضحية، فالدولة العميق، تصارع البقاء، وتقف بالمرصاد لكل محاولات الإصلاح، الذي هو، في الأخير،لصالحها، ولصالح الأوطان ككل، لكن، العامل البرغماتي يطغى على كل الأحوال مهما كانت العواقب،حتى وإن كان ذلك سببا في إحراق كل شيء ،ومن المفارقات أن يكون رجب طيب أردغان إخواني النزعة، وحزب العدالة والتنمية، أيديولوجية إسلامية، وفي نفس الوقت، يطرد الإسلاميين الذين آواهم، وفرش لهم البساط الأحمر، وقت الشدة، لما تلتقي المصالح تذوب الخلافات، كعكة غاز المتوسط، والإستقرار في ليبيا، والتقارب الإيراني الغربي، قضايا قربت المسافات بين العملاقين تركيا ومصر، ولابد من تنازلات مشتركة، وتفاهمات من سوء حظ طالبي اللجوء الى تركيا من الإخوان المسلمين أنهم الضحية، والمفارقة أيضا أن تركيا ومصر تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل التي يتقاطر عليها بلدان العالم العربي والإسلامي...
لقد ضاقت الأرض، لكن الإيمان بالأيديولوجية الإسلامية يظل في مخيلة الملايين في كل قطر.

اثنين, 22/03/2021 - 08:35