ديوان شعر القاضي محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري

إسلم بن السبتي

لهذا العالم تراث ثر راجعت بعضا منه في كثير من الوثائق التي وقفت عليها، وخاصة في البحث الذي نشر في مجلة العرب التي تصدر بالرياض تحت عنوان: الإعلام بالمواضع والأعلام، وما تبقى منه، وقد لاحظت أن كثيرا من تراثه يدخل ضمن الضائع من تراث بلاد شنقيط، كما تبين لي ذلك حينما راجعت بعض الوثائق التي أمتلكها له وخاصة ما يتعلق بديوان هذا القاضي، الفقيه، المؤرخ، العالم بأنساب أهل البلد بشهادته وبألفاظه حينما قال: "ولا أعلم اليوم أحدا أعلم مني بمطلق النسب، فضلا عن نسب قبيلتي".

فبخصوص هذا الديوان أمتلك معلومة تقول إن له:" ديوان شعر. ويسمى أيضا، ضوء الشهاب في الإيجاز والإسهاب من كلام ابن عبد الوهاب، أنجزه في سنة 1205ه، بمنهل اسمه بوتزكراي، من نواحي اذراع والصافية من بلاد الرقيبة من مغارب أرض الحوض من بلاد جريرة السودان المغربية". فهذه المعلومة تقول بأن محمد صالح أنشأ ديوان شعر في وقت مبكر من حياته، ووضح المكان الذي أنهى فيه عمله الشعري ذلك، فهو مكان من أرضه التي كان يرتادها في فترات من حياته، يستجم بها، ويقضي بها وقتا من أحلى أوقات عمره، ولاشك أنه وقت متميز بعيد عن خصام المتخاصمين، حيث يعود الشاعر فيه إلى كينونة روحه، وينظر في عالمه الداخلي حيث راحة البال والاطمئنان.

إن هذا الديوان الذي نتحدث عنه لا نجد له ذكرا حتى نتعرف على مضامينه ومحتوياته، وهل هي مضامين من شعر الشعراء المفلقين، أو من شعر الفقهاء كما هو معلوم؟، فنحن مطمئنون إلى أن هذا الديوان لو قيض له الظهور في مكان ما لأظهر شخصية شاعر عالم باللغة كما يتجلى ذلك من خلال شرحه لقصيدة الشقراطيسية، فقد أبان عن تمكن من ناصية لغة العرب وذلك بشرحه للكلمات والمصطلحات الكثيرة الموجودة في تلك القصيدة، فهذا كله يؤكد على أن هذا الديوان الضائع هو جهد لذلك العالم، يجب أن يبحث عنه، لتتجلى المكامن الإبداعية التي يمتلكها من خلال نصوصه، ولتتضح أيضا شخصية الشاعر المقابلة لشخصية القاضي المبدع.

لقد وقفت فيما وقفت عليه من أشعار لا تنسب إلى الديوان عدة نصوص شعرية، منها نصوص غزلية، وبعضها أحكام فقهية، وبعضها ذكر للمشايخ ومدحهم، ومنها في موضوع الرثاء. فمن بين تلك النصوص قوله، وهي تنسب لابن رازكه كما في الوسيط، مع عدم ذكر البيت الخامس وهي في ملحق ديوانه:

إلى الله أشكو طوع نفسيَّ للهوى     وإسراعها في غيها وعيوبـــــــــــــــــــــــــــــها

إذا سُقْتها للصالحات تقاعســــــت     ودبت على كره إليها دبيبــــــــــــــــــــــــــــــــها

وتشتد نحو الموبقات نشيطـــــــــــة      ولو فاوقتها الريح فاقت هبوبــــــــــــــــها

وما هي إلا كالفراشة إنهــــــــــــــــــــــا      ترى النار نارا ثم تصلى لهيبــــــــــــــــــها

دعتني إلى ما تشتهي فأجبتها       وضاع نصيبي في خلاف نصيبها

فهذه أبيات جميلة يشكو فيها الشاعر ما توسوس له به نفسه، ويحاول أن يلجمها عن غيها، فتتمادى في دفعه إلى ما لا يرغب به. وهي أبيات قد تكون من ضمن هذا الديوان الضائع، لجمالها ورقتها وتمكن صاحبها من ناصية اللغة.

ومما يوثق ضياع شعار هذا العالم ما وقفت عليه من قصيدة يرثي بها المرواني حيث يقول في مطلعها:

أَلاَ مَنْ لِقَلبٍ جَازِعٍ غَيرِ صَابرِ        لأنْ دَفْن المَرْوانِ بَينَ المَقَابِرِ

فالقصيدة من عشرين بيتا، ولم أقف إلا على هذا البيت. ومن قصائده التي وقفت عليها مبتورة، قصيدته في رثاء سيدي عبد الله بن الحاج الملقب بالرقيق، حيث يقول:

ألا ذهبت خيراتُ كلِّ بــــــــــــــــــــــــــــــــلاد      وقد غَالَ ريب الدَّهر كل جوادِ

مضى الشيخ عبد الله نَجْلُ محمد      بكلِّ طَرِيفٍ صالحٍ وتـــــــــــــــــــــــلادِ

كما وقفت له على جواب  رد به على حمى الله بن محمد بن حمى الله بن محمد بن الشواف المسلمي التيشيتي في قضية فقهية، فقصيدة حمى الله مطلعها قوله:

مفاتيح أقفال الغوامــــــــــــــــــــــــــــض حلت       حوادث من صبغ السواد تجلت

أما جواب محمد صالح، فمطلعه:

حمى الله إن تسأل سؤالا عن الــــــتي     تقدمنا فيها جــــــــــــــــــــــــــــواب الأجلة

وهو رد غاية في الدقة والوضوح، وبلغة جميلة تبين عن المضمون، وتوضح المقصود.

أما قصيدته في ذكر المشايخ، فهي مبتورة الأول، وينهيها بقوله:

وكن ليَ يا رحمن في كل حادث     وبالختم بالحسنى فمُنَّ وأسعــــــــــــــــــــــــــــــــد

وصل وسلم يا مهيمن دائمـــــــــــــــــــا      على المصطفى في كل وقت مجدد

وجملة آل البيت والصحب كلهم      وتاليهم من عارف ومُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزَهِّدِ

وهو دعاء غاية في الرقة والجمال، حمانا الله وإياه بما في دعائه وتضرعه للخالق المتصرف في الأكوان. فالشعر رقيق، والمقصد طيب، والعالم عارف متمكن.

وأخيرا نقول بأن المعلومة التي تقول بأن لعالمنا هذا ديوانا قد جمعه أحد الطلبة وقدمه على شكل رسالة جامعية في المدرسة العليا للتعليم، فإننا لا نعلم هل هو هذا الديوان المبين في مطلع هذا المقال؟، أم جمع لأشعار يمتلكها البعض في مخطوطات لم نقف عليها؟، ومهما يكن من أمر فإن البحث عن ديوان محمد صالح بن عبد الوهاب كما صنعه هو بنفسه، يظل مقصد المتخصصين في علم المخطوطات، حتى يجدوا تلك النسخة الأصلية ليقدموها للمحققين المهتمين بتراث هذا العالم الكبير، رحمه الله تعالى.

سبت, 10/04/2021 - 11:24