زكـاة الـفــطر: حــقـيـقــتهـا وفــقهـها وفــوائـدها

محمد نافع ولد المختار آكَّه

تقديم: ماهي إلا هنيهة منذ الآن حتى يغدوَ الحديث عن زكاة الفطر موضوع الساعة، إن لم يكنه بالفعل في الحال. ونتيجة لأهمية هذا الموضوع، اقتصاديا واجتماعيا ودينيا، وددت أن أتناوله في إبَّانه ضمن موضوعه وتحت عنوان: «زَكَاةُ الْفِطْرِ: حَقِيقَتُهَا، وَفِقْهُهَا، وَفَوَائِدُهَا»؛ باعتبار أن للأشياء حقائقَ هي جواهرُها، وصفاتٍ هي عوارضُها، ومقاصدَ هي المرامِي التي يتم السعي إليها من خلال تناول الأشياء ذاتها. وسأفصل الحديث فيه ضمن خمس فقرات رئيسة كالتالي:

 تسمية زكاة الفطر وحقيقتها،
 التأصيل الشرعي لزكاة الفطر،
 خلاصة مشهور المذهب المالكي في أحكام زكاة الفطر،
 المقصود الشرعي والفوائد الاجتماعية لزكاة الفطر،
 أقوال العلماء فيما تُخْرَجُ منه زكاة الفطر،
وفي الأخير آتي بخاتمة كدليل يمكن أن يصار إليه في التطبيق العملي.

أولا-تسمية زكاة الفطر وحقيقتها

تسمى «زكاةَ الفطر»، و«صدقةَ الفطر». ومن معاني الزكاة لغةً: النماء، والزيادة، والصلاح، وصفوة الشيء، وما أخرجتَه من مالك لتطهِّرَه به. والفطر: اسم من قول القائل «أفطر الصائم» إفطارا (الموسوعة الفقهية 23/335). أما الصَّدَقَة بالتحريك فهي «ما أعطيتَه في ذات الله تعالى» (القاموس المحيط للفيروزابادي مرتبا هجائيا 2/808).

ويمكن اعتبار زكاة الفطر «زكاة رقاب» أو أبدان (بداية المجتهد 1/348) في مقابل زكاة المال؛ لأنها لا تخرج عن مال، ولا يشترط فيها بلوغ النصاب عند الجمهور، خلافا للحنفية، وإنما تُخرج عن الإنسان الحي بغض النظر عن عمره، أو جنسه، أو أهليته للمعاملات. ونُقِلَ عن الإمام النووي رحمه الله تعالى تشبيهُ زكاة الفطر لرمضان بسجدتي السهو للصلاة، بحيث تُجْبِر الصدقةُ نُقصانَ الصوم كما تجبر السجدتان النقصَ في الصلاة، ومن ذلك نتنبه إلى أهميتها وخطورة أمرها.

ثانيا-التأصيل الشرعي لزكاة الفطر

زكاة الفطر واجبة بالسنة على كل مسلم. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما – قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين»، متفق عليه. وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

ويذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الزكاة واجبة بكتاب الله العزيز؛ لقوله عز وجل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (الأعلى/14-15). «قالوا: هي صدقة الفطر، وصلاة العيد» (الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر/113).

ثالثا-خلاصة مشهور المذهب المالكي في أحكام زكاة الفطر

يجب بالسنة صاعٌ فَضَلَ عن قوته وقوت عياله يومَهُ، وإن بسلف لراجي القضاء، وهو واجب بغروب آخر رمضان، أو بفجر شوَّال، على الحر المسلم، من غالب قوت بلده، عنه وعن كل مسلم يَمونُه بقرابة أو زوجيَّة. ونُدب إخراجُها بعد الفجر وقبل الصلاة، وعدمُ زيادة على الصاع. وجاز دفع صاع واحد لمساكين، كما يجوز دفع آصُعٍ متعددة لفقير واحد، وإخراجُها قبل العيد بيومين. ولا تسقط زكاة الفطر بمضيِّ زمنها. وإنما تُدفعُ لمسلم فقير (المختصر/57، والشرح الصغير على «أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك»، للعلامة أحمد الدردير 1/672-678، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير1/504-508، والقوانين الفقهية/216-217).

رابعا-المقصود الشرعي والفوائد الاجتماعية لزكاة الفطر

تضرب زكاة الفطر مثالا حيا لروعة وعمق مقاصد الشريعة الإسلامية، ولمآلات امتثال أوامر الشرع فيما يخص التكافل الاجتماعي وأعمال البر والإحسان. ذلك أن الاستفادة من هذه الشعيرة مضاعفة وتَسِيرُ في اتجاهات ثلاثة هي جِمَاعُ ما تتوق إليه النفس المطمئنة من بر وصلاح:

فَمُؤَدِّي زكاةِ الفطر يؤديها امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعلوم أن ﴿مَنْ يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ الله﴾ (النساء/80)، ولا إشكال في ذلك. وهذا الأمر للصائم وغيره؛
وهي تطهير للصائم وتكفير لما يكون أصابه أثناء صومه من الرفث وما يتنافى مع حكمة الصوم كمسلك للتقوى ومغفرة الذنوب؛
ثم هي وسيلة تمكن الفقير من الاستغناء عن طلب طعامِه يومَه، وربما لأيام عديدة، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَغْنُوهم عن السؤال في هذا اليوم»، كما روى الدارقطني والبيهقي.
بالإضافة إلى هذه الأبعاد الثلاثة النافعة دون أدنى شك، تُؤَدِّي زكاة الفطر إلى تقوية اللحمة الاجتماعية بواسطة التزاور والاحتكاك المباشر بين فئات المجتمع الغنية والفقيرة، فهي بذلك عَتَبَةٌ شامخة من عتبات التواصل والاطلاع عن كثب على الأحوال المعيشية والصحية لأفراد المجتمع الواحد.

خامسا-أقوال العلماء فيما تُخْرَجُ منه زكاة الفطر

ورد النص في الحديث الصحيح على أربعة أنواع من الأطعمة بذاتها لأداء زكاة الفطر. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - قال: «كنا نُخْرِجُ زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من أقط، أو صاعا من تمر»، متفق عليه. ولما لم يستقم لمن أرادوا تخصيص كلمة «طعام» الواردة هنا بطعام معين اطراداً، كالحنطة أو القمح، صار أهل العلم إلى ثلاثة مواقف متفاوتة بحسب توارد الأكثرين عليها:

القول بأداء صدقة الفطر من غالب قوت البلدة؛
 القول بالاقتصار على الأطعمة المذكورة، بحيث إن البعض اعتبر أن كلمة «طعام» إجمال تم تبيينه بما بعده من أطعمة منصوص عليها؛
 وتوسع الحنفية، فذهبوا إلى أنه يجزئ في «إخراج زكاة الفطر القيمةُ من النقود وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البُرِّ أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاع، وإن أخرج من الشعير أو التمر أو الزبيب فصاع» (الموسوعة الفقهية 23/343) مستدلين بأنه لما كثرت الحنطة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل نصف صاعِ حنطةٍ مكانَ صاع من هذه الأشياء (نفسه). ثم قالوا: ما سوى الشعير والتمر والسُّلت والزبيب «من الحبوب، كالعدس والأرزِّ، أو غير الحبوب كاللبن والجبن واللحم والْعُرُوض، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها. فإذا أراد المتصدق أن يُخْرِجَ صدقة الفطر من العدس مثلا فيقوِّم نصف صاع من بُرٍّ، فإذا كانت قيمة نصف الصاع ثمانية قروش مثلا، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية قروش» (نفسه).
وهكذا أثبت أصحاب أبي حنيفة النعمان مبدأ دفع العِوض في زكاة الفطر على أوسع نطاقه. لكن يبقى مرد ذلك إلى منهج العلماء الربانيين وأولي العلم أصحاب الاستنباط، بحيث يقرر ابن رشد الحفيد أن سبب اختلافهم كان في مفهوم حديث أبي سعيد الخدري الآنف الذكر؛ «فمن فهم من هذا الحديث التخييرَ قال: أيٌّ أخرج من هذا أجزأ عنه، ومن فهم أن اختلاف المُخْرَج ليس سببه الإباحة، وإنما سببه اعتبار قوت المخرِج أو قوت غالب البلد، قال بالقول الثاني» (بداية المجتهد 1/350).

خاتمة:

خُلاصَةً، أتقدم بدليل عملي مختصر يمكن أن يصار إليه، فيما يلي:

 يَدْفَع حاملُ النفقة زكاةَ الفطر عن نفسه، وعَمَّن تَلْزَمُه نفقتُه؛
 وقْتُها: بعد صلاة الصبح وقبل صلاة العيد. وعليه، فيستحب أن تؤَخَّرَ صلاةُ عيد الفطر بالقدر المناسب حتى يتمكن المصلون من أداء زكواتهم في وقتها؛
 المقدار: (2,5) كلغ من غالب قوت الناس. فمثلا عندنا هنا في نواذيبو، يجزئ دفع كيلين ونصف من الأرزِّ الجيِّد الأكثر استعمالا، والأفضل أن يكون كيلا لا وزنا؛
 وإذا رأى شخص متبصِّر من حال فقير أن الأصلح له النقود، لشراء ثوب مثلا، محتاجٍ إليه حسب ظاهر حاله، فأرجو ألا يكون بأس بأن يدفع له ثمن الكيلين والنصف نقدا. والله أعلم؛
 تُدْفَع زكاةُ الفطر للمسلم المحتاج، ولا تُدفَع للْغَنِيِّ عنها أبدا.

اثنين, 10/05/2021 - 21:00