قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن تهديد بعض القادة السياسيين بالنزول إلى الشارع مخالف للدستور، مشددا على أنه لن يتحول لدكتاتور، في حين اعتقلت قوات الأمن أمس الجمعة نائبين برلمانيين بعد ساعات من سريان قرار الرئيس رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان.
ووصف الرئيس سعيد -خلال استقباله ممثلي وسائل إعلام أميركية- تهديد بعض القادة السياسيين بالنزول إلى الشارع بأنه مخالف للدستور والإجراءات القانونية.
وجاء تصريح الرئيس ردا على تصريح رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي، الذي قال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع للدفاع عن ديمقراطيته، وفرض رفع الأقفال عن البرلمان، حسب تعبيره.
وقال رئيس الجمهورية إن الهدف من إجراءاته الأخيرة هو إعادة حقوق التونسيين المنهوبة، مؤكدا أن العدالة لا بد أن تأخذ مجراها، حسب تعبيره.
ودخلت تونس أزمة سياسية بعد إقدام الرئيس سعيد -الأحد الماضي- على إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد أعمال البرلمان لمدة 30 يوما، مما دفع أحزابا رئيسة -وأبرزها حركة النهضة- باتهامه بتنفيذ انقلاب.
وأكد الرئيس سعيّد أن حرية التعبير تبقى مضمونة، وأنه لا مساس إطلاقا بالحريات في تونس، ووعد سعيّد بألا يتحول إلى دكتاتور. ونقلت الرئاسة عن سعيّد -وهو أستاذ سابق للقانون الدستوري- قوله "أعلم جيدا النصوص الدستورية واحترامها، ودرستها، ولن أتحول بعد هذه المدة كلها إلى دكتاتور كما قال البعض".
تصريح الغنوشي
في المقابل، قال راشد الغنوشي إنه سيقاوم بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة من أجل عودة الديمقراطية، مشدّدا -في حوار مع صحيفة "إلكورييري ديلا سيرا" الإيطالية- على ضرورة أن يستوعب رئيس الدولة أن البرلمان يجب أن يعود إلى مركز آليات صنع القرار في الدولة.
قال راشد الغنوشي إنه سيقاوم بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة من أجل عودة الديمقراطية، مشدّدا -في حوار مع صحيفة إيطالية- على ضرورة أن يستوعب رئيس الدولة أن البرلمان يجب أن يعود إلى مركز آليات صنع القرار في الدولة
وجدد الغنوشي وصف ما وقع في تونس قبل أسبوع بالانقلاب، رافضا كل القرارات التي اتخذها الرئيس، لا سيما أنه يريد تولي مسؤولية السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد، حسب قوله.
من ناحية أخرى، قال وليد الحجام المستشار الدبلوماسي للرئيس سعيد إن الرئيس "يعمل ليل نهار من أجل تكليف رئيس حكومة، وتشكيل حكومة جديدة تنطلق في العمل وفق خارطة طريق واضحة المعالم، تقدم رسائل طمأنة للداخل التونسي والخارج".
وأضاف الحجام -في تصريح لقناة التاسعة التونسية الخاصة- أن الرئيس التونسي واعٍ بتطلعات الشعب، وسيكون عند الثقة التي منحه إياها في 25 يوليو/تموز الجاري.
وفي سياق متصل، قال الرئيس سعيد خلال لقائه وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إنه "متمسك بتحمل أمانة ومسؤولية حماية الدولة التونسية، والتصدي لكل محاولات ضربها وتفتيتها".
من جانبه، جدّد وزير الخارجية السعودي وقوف بلاده إلى جانب تونس في كل ما يدعم أمنها واستقرارها، وفي مواجهة التحديات التي تعترضها.
اعتقال نائبين
من ناحية أخرى، اعتقلت قوات الأمن أمس الجمعة نائبين برلمانيين على خلفية قضيتين منفصلتين، كما حقق القضاء مع 4 من منتسبي حزب حركة النهضة بدعوى ارتكاب أعمال عنف الاثنين الماضي أثناء احتجاج على قرارات للرئيس سعيد بحل الحكومة وتعطيل عمل البرلمان.
وقالت حنان الخميري، محامية النائب المعتقل ماهر زيد، إن القوة التي اعتقلت موكلها أخبرته أن سبب الاعتقال يأتي على خلفية قضية كان يحاكَم فيها عام 2017.
وأضافت المحامية -في مقابلة مع الجزيرة- أنها قدمت وثائق قضائية تثبت أنه تم وقف ملاحقة موكلها قضائيا، وأن هذا الاعتقال ليس له ما يبرره قانونا، على حد وصفها، قائلة إن الدوافع وراء الاعتقال سياسية.
وكانت حركة "أمل وعمل" أعلنت توقيف النائب ياسين العياري، المنتمي إليها، من قبل مجموعة عناصر عرّفوا أنفسهم بأنهم "أمن رئاسي". وأضافت الحركة، في منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك، إن العياري خُطف من أمام منزله من قبل مجموعة كبيرة من عناصر الأمن، وأوضحت أن عملية التوقيف تمت من دون إبراز أي وثيقة أو إذن قضائي، ومن دون إعلام زوجته بالمكان الذي أخذ إليه.
القضاء العسكري
وقال القضاء العسكري التونسي إن النائب العياري اعتقِـل تنفيذا لحكم قضائي صادر بحقه منذ عام 2018، ونقلت الوكالة التونسية للأنباء عن مصادر قضائية أن الحكم على العياري بالسجن جاء إثر اتهامه بالمشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش. وأوضحت الوكالة أن النيابة العسكرية تولت تنفيذ الحكم بعد صدور الأمر الرئاسي برفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) في الجريدة الرسمية.
وفي عام 2015، أمضى العياري -وهو ابن عقيد قُتل عام 2011 خلال الاشتباكات الأولى ضد الجماعات الإرهابية في البلاد- أكثر من 4 أشهر في السجن، بعدما أدانته محكمة عسكرية بتهمة ازدراء القيادة العليا للجيش على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت منظمة العفو الدولية قد وصفت عام 2018 محاكمة العياري أمام محكمة عسكرية بسبب نشره تعليقات على فيسبوك بأنه "انتهاك خطير للحق في حرية التعبير وشروط المحاكمة العادلة".
وقال مختار الجماعي محامي النائب العياري -في مقابلة مع الجزيرة في نشرة سابقة- إنه لم يستطع التواصل مع موكله، ولم يعرف إلى أي وجهة تم نقله، ولا الأسباب التي أدت إلى ذلك.
وحمّل الجماعي الرئيس قيس سعيد المسؤولية عن السلامة الجسدية والنفسية لموكله.
وبشأن إيقاف النائب، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس الجمهورية إنه لا علاقة للرئيس بعملية توقيفه، وأوضح أن إيقافه جاء تنفيذا لحكم قضائي سابق، مؤكدا أن القضاء التونسي مستقل وليس للرئيس أي نية للتدخل فيه.
فتح تحقيقات
وفي سياق ذي صلة، قال القضاء إنه فتح تحقيقات مع 4 أشخاص على صلة بحزب حركة النهضة لمحاولتهم ارتكاب أعمال عنف في أثناء الاحتجاج فجر الاثنين الماضي على قرارات الرئيس، ومن بينهم عضو بمجلس شورى الحركة، وعضوان على صلة بزعيمها ورئيس البرلمان. ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر في حركة النهضة أن القضاء أفرج عن المتابعين الأربعة بعد التحقيق معهم.
ونظمت حركة النهضة -وهي أكبر حزب في مجلس النواب- اعتصاما خارج مبنى البرلمان فجر الاثنين الماضي بعد أن حاصره الجيش ومنع النواب من دخوله. وحدثت مواجهة بين مئات من أنصار النهضة وأنصار الرئيس، وتراشق الجانبان بالحجارة والزجاجات.
من ناحية أخرى، أصدر الرئيس التّونسي أمس الجمعة أمرا رئاسيا يقضي بتقليص ساعات حظر التجول ابتداء من يوم غد الأحد. وذكر بيان للرئاسة التونسية أنه بموجب الأمر أصبحت فترة حظر التجول والعربات في كامل الأراضي التونسية من الساعة 10 مساء بالتوقيت المحلي، وحتى الساعة 5 صباحا.
وكان حظر التجول المعمول منذ 26 يوليو/تموز الجاري –أي بعد يومين من قرار الرئيس حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان- يبدأ من الساعة 7 مساء بالتوقيت المحلي، وحتى الساعة 6 صباحا. ووفق بيان الرئاسة، تقرر منع جميع التظاهرات والتجمعات العائلية والخاصة والعامة بالفضاءات المفتوحة أو المغلقة، فضلا عن منع ارتياد المقاهي والمطاعم ابتداء من الساعة 7 مساء بالتوقيت المحلي.
تجدر الإشارة إلى أن تونس تشهد منذ سنوات أزمة سياسية واقتصادية فاقمها تدهور الوضع الوبائي للبلاد المرتبط بجائحة فيروس كورونا.
المصدر : الجزيرة + وكالات
الجزيرة نت