التعليم من أجل التعلّم، والتعليم من اجل الوظيفة

محمدعالي الهاشمي

هناك نقاش لا يتوقف حول اهداف عملية التعليم، وهل هي استجابة لحاجة وحق انساني في التعلّم والُرقي الفكري، ام هي من أجل إعداد الناس لتلبية حاجات سوق العمل للمهارات؟

والموضوع يلقي بظلاله على صياغة أهداف التعليم عموماً والتعليم العالي بشكل خاصٍ .

منهج التنمية البشرية المستدامة، وهو منهج حديث للتنمية، يضع الانسان في صُلبِ اهدافه (تنمية الانسان من اجل الانسان وبواسطة الانسان)، يقول ان التعليم حق طبيعي وشرط للارتقاء بالانسان ليس فقط ليكون مناسباً لحاجات سوق العمل، بل للارتقاء بقدراته ومستوى وعيه لكي يقوم بواجباته كأنسان في مجتمعه.

قد يكون الشخص، رجلاً او امرأة، ثرياً ولايحتاج الى البحث عن وظيفة في سوق العمل، لكنه يحتاج التعلّم ليكون شخصاً افضل سواء كرب أسرة او كأمرأة تستطيع تربية اطفالها بشكل افضل.. وبعكس ذلك فأن ابناء الاثرياء من اصحاب الملايين يفترض ان لايذهبوا الى اي جامعة ويكونوا أميين لأنهم لايحتاجون للبحث عن وظيفة.

(لقد اكتشفت شخصياً ومن خلال الاحصاءات، في أحد تقارير التنمية البشرية الوطنية ، ان وفيات الاطفال تتناسب عكسياً مع تعليم المراة الأم. اذ لاحظتُ انه كلما ارتفع مستوى التعليم للأم، انخفض معدل وفيات الاطفال).

بهذا المعنى وبهذا الفهم للتعليم، يصبح التعليم حق وضرورة يجب ان يحصل عليه الشخص بغض النظر عن وضعه الاجتماعي والاقتصادي .

كذلك فأن بعض الناس يتلقى نوعاً من التعليم لانه يحبه ويرغب بأن يتلقّاه، لكنه يحصّل رزقه من مهنة لاعلاقة لها بذلك التعليم.

بعض النساء تحمل شهادة الماجستير في الكيمياء ولكنها تعمل عارضة ازياء وصالونات نسائيه.

حصل معي ذات مرة وقد كنت في لخارج، ان دعاني احد الاصدقاء لأحد المطاعم الفاخرة واخبرني ان هناك مفاجأة. بعد قليل جاء النادل ليأخذ الطلبات وكان يتكلم العربيه بطلاقة، قال لي صديقي هذا هو النادل الدكتور فلان فضحكنا مستغربين .

قال لي انه دكتور ، لكنه ترك العمل في احدى الجامعات وفضّل العمل كنادل!!

سألته لماذا فعلتَ ذلك؟

قال لي: انا اشبعتُ رغبتي بالدراسة واثبتُّ نجاحي العلمي وحصلتُ على هذه الشهادة، لكني اكتشفتُ ان دخلي كنادل لمدة اسبوع يعادل راتبي الشهري كأستاذ جامعي!!

وبما ان المهم هو رفاه عائلتي، وبما اني لا اكترث بالسمعة والمهنة، وبما ان المجتمع لا ينظر بازدراء الى مهنة النادل، فلقد قررت العمل كنادل !!

بالمقابل، هناك رأي يقول ان التعليم واختيار فرع التعليم يجب ان يستهدف اشباع حاجات سوق العمل للاختصاصات المختلفة والّا فلا جدوى من دراسة موضوع لا يوجد طلب على مخرجاته، وأن البطالة ستكون مصير خريجيه..

كذلك فأن البعض يريد العمل فقط بشهادته ولا يكترث بكونه يحب ذلك الفرع أم لا، ولذلك تراه لايرغب بدراسة بعض الفروع كالفلسفة مثلاً، لانه لاتوجد وظيفة فيلسوف او مساعد فيلسوف !!!

ويسخرون من دراسة هكذا فروع !!ولكن ماذا لو أن الشخص يحب الفلسفة يريد دراستها؟

ماذا لو كان يحب الموسيقى او الرسم؟

اليست هذه حاجة جديرة بالتلبية ؟

سيقال له ان هذه الفروع لا تؤمن العيش!!

انا ممن يؤمنون بكون التعليم حق طبيعي ولا ينبغي الربط الحتمي بين الدراسة والوظيفة .

الأمر شخصي وللشخص ان يقرر ماذا يدرس وان تتاح له الفرصة لفعل ذلك.

 

ثلاثاء, 10/08/2021 - 08:00