الموظف العمومي الموريتاني: الواقع و الآمال

محمد الأمين شريف أحمد

موريتانيا من بين البلدان التي تأتي في ذيل مؤشر التنمية البشرية، حسب التقارير الدولية المنشورة، ولعل جملة أسباب كانت وراء ذلك وفي مقدمتها إهمال التعليم، وضياع العدالة، و فشل السياسات التنموية المعتمدة، و ضعف الإنتاجية و التخلف، ... كل هذه الكوارث نتيجة طبيعية لإهمال الموظف العمومي، و عدم الاستثمار فيه. 

واقع الموظف العمومي في بلادنا:

بعد أن أورثنا المستعمر إحترام الدولة و إحترام الموظف العمومي، و كان المثل الأعلى لدى جميع طبقات المجتمع، بسبب تعلقه بالمُثل العليا من إحترام المال العام، و الإحساس بالمسؤولية، و السهر على تنفيذ برامج الدولة بكل مهنية و إقتدار، و بسبب الوضعية المعيشية المريحة التي يضمنها له راتبه. 
ظل الموظف العمومي على هذا الحال إلى غاية الثمانينات، و مع التوقيع على إتفاقيات البنك الدولي، والتي من شروطها وقف الإكتتاب إلا في قطاعات الأمن و التعليم و الصحة، بدأت معاناة موظفي القطاع العام، مع أعتماد أسلوب إعارة الموظف العمومي، من قطاعه إلى قطاعات أخرى لم يُكَوٌن على أساسها، و فتح المجال على مصراعيه لعدم إحترام التخصص و المؤهًل والخبرة، فتولى عدد كبير من الأطر الغير مؤهلين قيادة قطاعات و مؤسسات حيوية، على أساس القبلية و الزبونية، مما ساهم في تراجع الإنتاجية. و ضعف الخدمات المقدمة، و زاد من تفاقم هذه الوضعية عدم مراجعة رواتب و علاوات الموظفين العموميين، لتتناسب مع الزيادات في معدلات التضخم و التخفيضات الحاصلة على قيمة الأوقية، بموجب الاتفاقيات المبرمة مع صندوق النقد الدولي. و كانت الكارثة الكبرى، والتي قضت و بشكل نهائي على أهمية و طموح الموظف العمومي، هي إستراتجية التعينات من خارج الوظيفة العمومية، ليتربع على رأس القطاع أو المؤسسة العمومية من لا صلة لهم بالوظيفة العمومية، و يُسيًروا وكلاء وموظفي القطاع العام دون عقد عمل ملزم لهم، و دون كفاءة و دون تجربة و دراية إدارية. و برواتب أكبر من نظرائهم المقيدين في سجلات الوظيفة العمومية، أسلوب التعيين من خارج سلك الوظيفة العمومية، كان بمثابة رصاصة الرحمة على الوظيفة العمومية، وعلى موظفيها، فلا قوانين ولا ضوابط و لا معايير، بقيت للموظف العمومي على أساسها يمكن له الترقي في المناصب، و لم يعد من سبيل أمامه للتدرج في الوظائف القيادية، إلا أساليب التملق والنفاق و الكذب و الرشوة و القبيلة و الفئوية و الجهوية. 
و بهذا ضاعت الوظيفة العمومية و بضياعها، إنهارت كل الخدمات المقدمة من الدولة لمواطينها، فلا إستثناء لإدارة و لا لمؤسسة الكل في حالة من الإندثار و الضياع، حتى بدت بعض المؤسسات كخريطة قبلية أو جهوية. 

الموظف العمومي الطموح و الآمال:

حلم الموظف العمومي اليوم، يتجسد في وضع خطة وطنية طموحة، لإنتشاله من واقع الضياع الذي يعيشه، أساسها العدل في إكتتاب الموظفين، و إحترام جميع حقوقهم، و وضعهم في ظروف تضمن لهم حق العيش الكريم، أثناء الخدمة، و بعد التقاعد. 

1- الإكتتاب للوظيفة العمومية:

يطمح الطالب للوظيفة العمومية أن يُعهد موضوع الإكتتاب في سجلات الوظيفة العمومية، إلى وكالة وطنية، يتم إستحداثها، و إعطاؤها ما تستحق من أهمية، و إسناد إليها ملف إختيار الطاقم الذي سيتولى جميع مهام الدولة، و تسهر هذه الوكالة على وضع معايير واضحة للإكتتاب المطلوب، و على تساوي الفرص أمام المترشحين و إحترام النتائج الحقيقية، ومن المناسب أن يكون لدى الوكالة الوطنية للإكتتاب، برنامج معلوماتية يتولى فرز النتائج بنسبة أكثر من 80% ، و لا دخل للإنسان في التصحيح و الفرز النهائي للنتائج، إلا في حدود 10% إلى 20%. من أجل ضمان نزاهة المسابقة، مما يُمَكًنُ الوظيفة العمومية من الحصول على الأشخاص الأكفاء، القادرين على القيام بالواجبات المنوطة بهم؛

2- ضمان الحقوق و تقديس الوظيفة:

بعد الولوج إلى الوظيفة العمومية، تترتب حقوق للموظف العمومي، يتمنى لو تم إحترامها و السهر على تنفيذها، مثل حق التكوين و التدريب المستمر، و إحترام التراتبية الوظيفية، و احترام الترقي في المناصب، و القضاء على التعينات العشوائية، و التعينات في الوظائف من خارج سلك الوظيفة العمومية، و مراجعة الرواتب على الأقل كل ثلاث سنوات، حتى تستوعب الإرتفاعات المتتالية للأسعار و إستحداث تحفيزات مادية و معنوية على مستوى كل قطاع حكومي وعلى المستوى الوطني لصالح أفضل موظف عمومي، و تغطية التأمين الصحي لكافة الأمراض.
بتحقيق هذا الحلم، بلا شك، سيقدس الموظف العمومي وظيفته، و يعمل بأقصى جهد من أجل أن لا يفقد منصبه، و سينظر إليه المجتمع بكل إحترام و فخر، لأن الخدمة المقدمة جيدة، و لأن الموظف العمومي قادر على التمتع بحياة كريمة، يشاهدها الجميع؛

3- الموظف العمومي و أمل المعاش المناسب:

من أسباب فشل موظفي القطاع العام، واقع التقاعد، و يأملون أن تعمد الحكومة إلى مراجعة جذرية لرواتب المتقاعدين، تُمكن الموظف العمومي من مواصلة حياته بصورة كريمة ، فمن المناسب أن يُساعد ب20% من راتبه الكلي و تعطى له نقدا يوم إحالته للتقاعد، و تُتْرَكُ له 80% من راتبه الإجمالي كمرتب دائم، بالإضافة إلى إستحداث تراخيص تجارية و خدمية، تُمنح للمتميزين خلال مسيرتهم الوظيفية، بعد التقاعد.

المرحلة تتطلب وضع إستراتجية وطنية على جناح السرعة، تتضمن سن قوانين و مراسيم و مقررات و لوائح تنظيمية، تضمن تحقيق النقاط السابقة ، وتلبي كل طموحات الموظف العمومي، و تعيد له الثقة و المكانة المناسبة بين أفراد الشعب، لأنه هو من يقع على عاتقه النهوض بالبلاد، و هو الضامن لوجود الدولة. و على القائمين على الشأن العام أن يدركوا أن الثابت في معادلة التنمية و الرفاه، هو الإنسان، و المتغير في هذه المعادلة، الذي أحدث الفارق الصارخ بيننا و الدول المتقدمة، هو متغير الظروف المحيطة بالموظف العمومي.

و الله من وراء القصد.

 

أربعاء, 13/10/2021 - 09:47