طبول الحرب : هل تختلف أوكرانيا عن العراق

محمد عبدالله اللهاه

منذ أزيد من ثلاثة عقود، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية دولة العراق بحجة تهديد السلام العالمي وامتلاك اسلحة الدمار الشامل. لم يكن غزو العراق عسكريا بقوة أممية او بتفويض من الأمم المتحدة، لكن جورج بوش ظل حينها يكرر شعاره الشهير "إما معنا و إما ضدنا" الشيء الذي يبرهن على نية أمريكا احتلال العراق وليس ردعه. وقد استقال حينها وزير الدفاع الفرنسي احتجاجا على مسلكيات الحرب. تبين لاحقا ان استهداف العراق تم لتأمين المصالح الأمريكية وخاصة أمن إسرائيل و النفط و استقرار المملكات الخليجية الراعي الأكبر لمصالح الإقتصاد الأمريكي. ولم يعثر على أي سلاح دمار شامل.

واليوم، هاهو التاريخ يعيد نفسه في أوكرانيا مع الإتحاد الروسي هذه المرة، الحلف المعادي لحلف النيتو. إنها حرب الكبار الذين يدقون طبولها مهما كانت الضحايا من الدول الأخرى و خاصة الضعيفة التي ستتأثر بتوسع صراع النفوذ على الإقتصاد العالمي و السيطرة على كل منطقة استراتيجية من العالم. إن الحرب آتية لامحالة، حتى إذا تجاوز العالم محنة أوكرانيا بالتهدئة و الدبلوماسية، لأن مصالح العملاقين ستظل متضاربة حتى النهاية. المصالح الاقتصادية و مناطق النفوذ و التبعية و غيرها، كل ذلك يدفع العملاقين إلى مواجهة حتمية يوما ما عاجلا ام آجلا. لكن مشكلة أوكرانيا قصمت ظهر البعير حين أرادت الولايات المتحدة الأمريكية ضمها إلى حلفها كي تضع ترسانتها العسكرية قبالة الحدود الروسية على مسافة رمي العصا من موسكو بأقل من 500 كم فقط. كانت القطرة التي أفاضت الكأس بعد أن ظل الروس متمسكا بضبط النفس لعدة عقود تاركا الأمريكان يعبثون ببعض الدول حسب مصالحهم دون الرجوع إلى مجلس الأمن، و بتوسع حلف النيتو حتى ضم إليه جل دول أوروبا الشرقية. كل ذلك طبعا دون موافقة الشريك العملاق في فضاء المجرة الشمسية. فهل أخطأ الروس حساباته في الماضي ليتدارك الموقف مؤخرا فيمنع العبث بسوريا وليبيا و إفريقيا الوسطى و مالي و غيرها من مناطق التوتر المحتدمة الصراع؟ أم أن أمريكا تجاوزت الخط الأحمر وأخطأت حساباتها بعزمها نصب ترسانتها العسكرية لتكون مدينة موسكو في مرمى نيران أسلحتها التقليدية قليلة التكلفة، مقارنة بالأسلحة غير التقليدية، حتى تشد على الروس و تضيق عليها الخناق، ثم بعد ذلك، تسعى إلى إبرام اتفاقيات دولية جديدة لمنع انتشار و تطوير الأسلحة الغير التقليدية و البعيدة المدى حتى تجبر الروس على مسايرتها في تلك السياسة باسثصدار قرارات من مجلس الأمن في هذا السياق، فتصبح بعد فترة من الزمن بمقدورها شن حرب تقليدية على موسكو بعد تدمير جل الأسلحة الاستراتيجية طبقا للمواثيق التي ستسن لاحقا. إن حرب الكبار تجلت في سوء استقبال و إهانة الزعيمين الفرنسي ماكرون و الألماني شولتز خلال زيارتيهما لموسكو في مسرحية دبلوماسية سيئة الأداء، لأن الروس يعتبرون الأمر وجودي لا مساومة فيه و لا تراجع عنه إلا في سياق اتفاق مع الأمريكان، تماما مثل أزمة الصواريخ الكوبية على بعد 300كم فقط من شواطئ ميامي الأمريكية والتى كادت تشعل نار الحرب لولا دبلوماسية الرئيس جون كندي الذي أبرم اتفاق تقارب مع الاتحاد السوفيتي أنذاك، اغتيل بعده بشهر واحد في ظروف غامضة. إن تقدير الروس للموقف يوجب على الولايات المتحدة أن تتراجع عن ضم أوكرانيا لحلفها، بل يتوجب عليها احترام التفاهم الضمني بين العملاقين الذي يقتضي ترك مناطق عازلة بينهما منذ اندلاع الأزمة الكوبية في الستينات حتى لاتحتك جيوشهما وجها لوجه. إن إهانة كبار الدول الأربية مثل فرنسا و ألمانيا ينذر بمواجهة حتمية أو يفتح الطريق لنظام دولي جديد يتوزع فيه النفوذ بين العملاقين فقط. فأين ستكون بلادنا و هل ستظل في مجموعة عدم الإنحياز التى يمكن أن تعاد هيكلتها كما يدعو الكثيرون إلى ذلك من أمثال اليسار الفرنسي. و خاصة أن كلا من العملاقين ينقض على فريسته غير عابئ بالشرعية الدولية التي تهشمت منذ سقوط حائط برلين الذي أصبح كحائط افتراضي متنقل إلى كل منطقة دخلت إليها قوات أحد القطبين. إن بلادنا تحتضن منذ استقلالها سفارتين كبيرتين و مهمتين لدى كل من العملاقين، لا للوقوف مع الدولة الصغيرة الحديثة النشأة طبعا، بل للعمل على بسط النفوذ و السيطرة على منطقة ذات موقع استراتيجي و باطن غني بالمعادن التي يشكل بعضها، مثل اليورانيوم، مصدرا أساسيا للطاقة النووية الرخيصة المنافسة للطاقة التقليدية النفطية و الغازية. ففي منطقة تيرس مثلا، توجد عدة مناجم من اليورانيوم في أماكن واسعة مثل بئرالنار و واد السدر و واد الفوله إلى غير ذلك من المعدن الاستراتيجي رخيص الإستغلال، حيث يقدر أول منجم له باستثمار حوالي 62 مليون دولار فقط لبناء منجم الإستغلال. فيما يبلغ احتياطه المكتشف عدة آلاف من الأطنان، ناهيك عن المخزون المحتمل الذي لم يكتشف بعد لأن البحوث لاتزال جارية. إن بلادنا لن تبقى بمعزل عن صراع العملاقين لما تنعم به من خيرات باطنية و بحرية و سطحية كالطاقات النظيفة التي تحافظ على البئة. فهل ستستمر في أحضان القارة العجوز مثل مجموعتها من دول الساحل أم ستكون من "حظ" العملاق الآخر الذي ينظر إليها بعين الأسد من أعلى هضاب جارتها الشقيقة. أم أن بلادنا ستحقق حلمها بأن تكون فاعلا إقليميا يستغل كافة عوامل التموقع الاستراتيجي و نقاط القوة لديه في عالم مخاضه معقد و متشعب تتسارع فيه توترات النفوذ و تنبت في أطرافه قوا جديدة تطمح إلى انتزاع نصيبها من الكعكة الدولية. اللهم احفظ بلادنا و وفقها للتقدم و الازدهار.

 

خميس, 17/02/2022 - 11:25