في الاشهر الماضية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للرءيس الروسي فلادمير بوتن يروض الدببة على الساحل الروسي...
والدب عند الروس يرمز للسلطة والقوة اما عند الغرب فيرمز للتخلف والبربرية...!!
والسؤال لذي يطرح نفسه ماذا يريد الدب الروسي من هذا الاستعراض؟! هل يقول للآخر بأنه خرج من الحظيرة...
منذ سنوات كتبت مقالا بعنوان: العالم على كف عفريت!! مشخصا الواقع العالمي آنذاك مبينا صعود الدب ااروسي والتنين الصيني ومستشرفا مانعيشه اليوم على ارضية الواقع..وكيف ان امريكا لم تعد القطب الاوحد!!
إذا رجوعنا إلى الواقع العالمي الذي تشكل بعد الحرب الباردة فإننا نجد أن سقوط الإتحاد السوفياتي هو سقوط نظام اجتماعي واقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل:، وهو ما عبر عنه بـ((النظام الاشتراكي العالمي)، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، بمعنى تاريخ جديد للإنسانية...
وقد دخل كما هو معروف في صراع مع النظام الرأسمالي، القائم آنذاك..
وكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة، والقيم والفكر والعلاقات الدولية.. إلخ
وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالميتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الإستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة..
إن سقوط أحد طرفي هذا الصراع، كان بدون شك (انتصارا) للطرف الآخر، ولما كان المعسكر الرأسمالي هو المنتصر فإنه لم ينظر إلى هذا الانتصار على أنه انتصار من نوع خاص، !!
لقد كان انتصار مجانيا، بدون ثمن...
لقد انهار الاتحاد السوفياتي ومعه المعسكر الشيوعي..
أما المعسكر الآخر فقد بقي كما هو بكل عدته العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية والعلمية والفكرية، وأيضا بقي في حالة تعبئة وتجنيد، ولكن بدون عدو.
لقد خلت له الأرض وخلا بها، فصار وحده يطلب الطعن والنزال!!
ولكن مع من؟ بمعنى أن أمريكا أصبحت تبحث عن عدو يحفظ لها توازنها وتأتي أحداث 11 من سبتمبر والأحداث اللاحقة لتجد فيها أمريكا ضالتها المنشودة كذريعة لمحاربة لإسلام وإن اختلفت التسميات التي تتخفي وراءها: إرهاب، تشدد، اعتدال...
والآن بعد إعلانها عن القضاء على داعش التي اخترعتها لتحفظ لها توازنها فأين ستتجه أمريكا؟
لم تعد الساحة العالمية كما كانت تتصور أمريكا فقد ظهرت مؤشرات لقوى جديدة أصبحت تغض من مضاجع الأمريكان وهي القوة الصينية القادمة التي ستتخذ مكانتها بلا منازع في القرن الواحد والعشرين...
خاصة أن مؤشرات الديمقراطية الأمريكية في انحسار مستمر، وتراجع حقيقي للدور الأمريكي على المستوى العالمي كسياسة خارجية وبدأت تفقد دورها الفعلي...
في مؤتمر ميونيخ الأخير الأحد، 17 فبراير 2019 م تكلم مايك بانس نائب الرئيس الأمريكي على هيمنة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية وقيادتها للعالم..
وقد اعتبرت مجلة (دير اشبيكل الألمانية) أن الواقع مختلفا كليا عن ما قاله نائب الرئيس الأمريكي حيث أصبح لروسيا والصين تأثير كبير على الساحة الدولية من خلال السياسة والاقتصاد، مضيفة أن أمريكا لم تعد وحيدة على الساحة الدولية بل هناك دول مؤثرة مثل روسيا والصين وإيران..
وحسب المجلة فان العلاقات الأطلسية تعاني من أزمة وجود وهو ما يؤثر على الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم.. في خطوة من شأنها زيادة التوترات بين البلدين وبعد 32 عاماً من التوافق على معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في الأول من فبراير الجاري، تعليق واشنطن العمل بالاتفاقية، وإمهال موسكو 6 أشهر لإثبات تمسكها بها أو انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة...
وجاء الرد الروسي سريعا على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أعلن تعليق روسيا للعمل بالمعاهدة، وإمهال واشنطن المدة نفسها...
وفي ظل الاتهامات بين الدولتين النوويتين ظهرت بوادر سباق تسلح جديد وذالك بتصريح الرئيس بوتن بأن روسيا تسعى لتطوير صواريخ متوسطة المدى رداًّ على ما وصفها بأنها مشاريع مشابهة في الولايات المتحدة...
هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة، دقت ناقوس الخطر الفعلي، ودفعت بالقادة الأوروبيين إلى التعبير عن قلقهم من تداعيات انهيار المعاهدة...
ومما يعقد الأمور أن اتفاقية "ستارت" التي تحدد عدد الرؤوس النووية لواشنطن وموسكو من المفترض أن تنتهي عام 2021 م..
وهنا لا يمكن التنبؤ بالعواقب ذات الصلة لتقويض هيكل الأمن الدولي العالمي...
في أول رد فعل أوروبي على تعليق المعاهدة نفذت فرنسا محاكاة نادرة لمهمة ردع نووي على مدى 11 ساعة، اختبرت المهمة عملية هجومية بطائرة رافال...
ويعكس الإجراء الفرنسي حجم القلق الذي تواجهه القارة الأوروبية جراء المواقف الأميركية والروسية إزاء المعاهدة النووية، وكانت فرنسا أوقفت اختبار أسلحتها النووية عام 1996 بعدما أثارت غضباً عالمياً، وصارت منذ ذلك العام أحد الأطراف الموقعة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية...
فهل بات العالم على وشك سباق تسلح غير مسبوق؟
هذا السباق سيصبح مدمرا خاصة ما يشاع الآن من احتمال حرب عالمية ثالثة ستحرق الأخضر واليابس وقد تعزز هذا الاحتمال بعد الحرب الحالية بين روسيا وأكرانيا وتهديد بوتن لدول الناتو باصداره اليوم الأحد أمرا يقضي بوضع "قوة الردع" في الجيش الروسي في حال التأهب الخاصة للقتال". (وهي قوة تشمل عنصرا نوويا، )
متهما الغرب باتخاذ مواقف "عدوانية" تجاه بلاده، في اليوم الرابع من غزو أوكرانيا....
هذه المواقف لن تضر روسيا لوحدها بل ان تشكل احتمالات وقف إمدادات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية مصدر قلق للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تحاول اتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، ومنع حدوث اضطراب واسع في إمدادات الغاز والنفط وأسعاره في السوق العالمية، جراء العقوبات المحتملة التي ستفرضها إدارة بايدن.
تلك العقوبات ستمنع الدول من شراء الغاز والنفط الروسيين، أو أن تؤدي الحرب إلى منع تدفق الطاقة بسبب مخاطر النقل عبر الأراضي الأوكرانية أو عبر البحر الأسود إلى أوروبا.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد في تلبية نحو 40 في المئة من حاجتها إلى الغاز الطبيعي على روسيا، وأن إيجاد بدائل عن الغاز الروسي لن يكون بالأمر اليسير.
واذاكا بوتن روض الغرب اقتصاديا وحليفتها أكرانيا عسكريا فانه سيروض ايضا الدول العربية على التحمل والصبر.. !!
حيث تعتمد دول عربية كثيرة في خبزها وأكلها بشكل كبير على القمح الروسي والأوكراني ومنها بلدي موريتانيا...
وحتى تلك التي لا تعتمد على البلدين ستعرف ارتفاعا في أسعار القمح.
وهذا يعني أن مجموع القمح المصدر من البلدين يبلغ 25% من القمح العالمي، أي أن ربع سلة العالم من القمح توجد في هذين البلدين.
وعموما تحتكر الدول العربية 42% من القمح الروسي.
وتستأثر بأكثر من 38% من القمح الأوكراني، أي أكثر من ثلث سلة القمح الأوكراني الموجه للتصدير.) ويبدوا ان ايجاد
بدائل في الوقت الحالي ليس بالامر السهل.
فهل ينجح بوتن في ترويض الدول كما روض الدببة على الساحل الروسي؟!