علم التجويد: ماهيته ومراتب القراءة وعيوبها وحقوق القرآن ووظائفه

المهابة محفوظ

تدور هذه المقالة على مدارات تتعلق بعلوم القرآن وخدمته ومكانته ووظائفه وحقوقه ويتعلق الأمر جوهريا بماهية علم التجويد وفضله وترتيل القرآن وآدابه ومراتب قراءته الممدوحة وعيوبها التي لا يجوز حصولها في حياة المسلم.
وسيكشف هذا المقال كيف يتم لفت النظر إلى فوائد التجويد وتوظيفه في تدبر القرآن وتذوقه وتحقيق معانيه في النفس والحياة، وهو أمر يحتاجه كل فرد من أفراد وطننا الموريتاني؛ لأن العناية بالتجويد وتحقيقه في اللسان والقلب معرفة نظرية وتطبيقية يجب أن تكون سابقة للحفظ حتى يؤسس عليها.
ولما كان القرآن الكريم كتاب هدايةٍ ورحمة ونورٍ وبشرى؛ فإن من دواعي حصول تلك المعاني في حياة المسلم ضبط معنى التجويد والتحقق به فهما وعلما وترتيلا.
  والتجويد الذي يحقق المقاصد القرآنية، ويرشد إلى ربط المعرفة بالتطبيق، والقول بالعمل، هو من العلوم الجوهرية الجليلة السنية المباركة الطيبة التي تختص بالقرآن؛ لأن مدارها الكلمات القرآنية ضبطا وإتقانا وترتيلا، قال صلى الله عليه وسلم،:"من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد" يعني ابن مسعود. أخرجه الحاكم في المستدرك ج 2/247
وقال أبو العالية: "تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل عليه السلام خمسا خمسا" مباحث في علوم القرآن مناع القطان، ص 196 
والتجويد لفظ عربي أصيل ومصطلح شرعي جزيل مستخرج من جوَّد تجويدا، والاسم منه الجودة، وهي ضد الرداءة كما في لسان العرب، وهو في اللغة التحسين.  ولقد كان التجويد مقترنا في العصور الأولى من الإسلام بالتدبر وإعمال النصوص في الحياة وأولها الوحي وقد جاء عن ابن عمر أنه قال: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حرامها وحلالها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عليه منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالا
يؤتى أحدهم القرآن، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه فينثره نثر الدقل" رواه البيهقي في السنن الكبرى ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ الافراد. 
ولقد رأى الإمام والحجة أبو عمرو الداني أن هذا النص يفيد أن التجويد توقيف من رسول صلى الله عليه وسلم وأنه بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولقد كان العلماء كما ذكر الإمام ابن الجزري يشترطون في نيل الإجازة معرفة الوقف والابتداء، وهو علم من علوم التلاوة والتجويد والتدبر، وتترتب على معرفته وتطبيقه فوائد جمة لطلبة علوم القرآن.
 ومن هنا كانت التلاوة المجودة هي الترتيل الذي يخلو من التكلف والجور والتحريف، ويتسم بالطلاقة والسلاسة والإتقان.  والترتيل هو معرفة الوقوف وتجويد الحروف، وهذا هو جواب على رضي الله عنه عندما سئل عن الترتيل.
 والتجويد في الاصطلاح هو إخراج الحرف من مخرجه وإعطاؤه حقه من الصفات اللازمة كالجهر والشدة والاستعلاء، ومستحقه من الصفات العارضة كالتفخيم والترقيم حيث يستمد التعريف ماهيته من مخارج الحروف وصفاتها دون غيرها من أبواب التجويد الأخرى لما للمخارج والصفات من الأهمية في حصول الجودة والمهارة والإتقان.
وهو علم شريف يصون اللسان من اللحن أثناء التلاوة ويحسِّن من صوت القارئ، ويجعل للقرآن هيبة كبرى ووقعا عظيما في القلوب من خلال معالجة القارئ المتقن للتلاوة بالقلب والروح.
 وقد استمد العلماء أصول هذا العلم من قراءة النبي عليه الصلاة والسلام ثم من تلاوة الصحابة والتابعين وأئمة القراءة عصرا بعد عصر حتى وصل الأمر إلى عصرنا بالتواتر والنقل والرواية. 
ولما يترتب على تطبيقه من المنافع وعلى تضييعه من المفاسد فقد تفكَّرَ العلماء في حكمه هل هو فرض كفاية أم فرض عين؟ وأجابوا عن ذلك بقولهم: العلم به فرض كفاية إذا تقلد منصبَ القيام بحقوقه بعضُ العلماء في كل مصر سقط الإثم عن الباقين.  وأما العمل به ففرض عين في حق كل مسلم. قال تعالى
"ورتل القرآن ترتيلا".
يقول الامام ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتـــــم لازمُ        من لم يجوِّد القرآن آثمُ
لأنه به الإلـــــــــــــــــــــــــه أنـــــــــــــــزلا       وهكذا منه إلينا وصلا  
وهـــــــــــــــــــو أيضا حلية التلاوةِ       وزينة الأداءِ والقـــــــــــراءةِ
وهو إعطاء الحروف حقها       من صفةٍ لها ومستحقها 
فضل التلاوة:
القرآن هو الهداية والبشارة والسبب في كسب الأجور الخالدة قال تعالى:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا".
وتلاوته بحق وفهم وتدبر علامة فارقة من علامات الايمان، قال تعالى:" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" وتعلمه وتعليمه ونشر قيمه من أعظم الأعمال، قال عليه الصلاة والسلام "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" أخرجه البخاري.
 وعبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داوود تحت1464
وصاحب القران هو المتقن والعامل به والماهر فيه، والمهارة في علومه ومقاصده وحقوقه تبلغ بالإنسان أعلى المقامات والدرجات: قال صلى الله عليه وسلم "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" أخرجه مسلم. 
وتتنزل السكينة، وتغشى الرحمة، وتحف الملائكة، ويكون الثناء من الله على أهله قال عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
آداب التلاوة:   
وآداب التلاوة كثيرة ومهمة وآثار مراعاتها عظيمة في حق أهل التلاوة والقرآن، ومنها: الإخلاص  
 والتطهر والوضوء والنظافة والاستعاذة والبسملة والخشوع والتدبر والاعتبار والتأثر وتحسين الصوت
والتجويد والترتيل ومراعاة مواضع السجود والدعاء أثناء التلاوة واجتناب ما ينافي قداسة القرآن الكريم والحرص على الأساليب الصحيحة في القراءة.
أساليب القراءة:
 وهي على نوعين أساليب جائزة ومعتمدة لدى القراء ولا شية فيها وأساليب ممنوعة وممقوتة لديهم لِما حصل فيها من مخالفة الأصول والشروط والآداب. 
الأساليب الجائزة:
يقصد بالمراتب ثلاثة أنواع؛ وذلك بمعيار السرعة والتمهل في التلاوة حسب المقرر في التجويد وعلم الأصوات ويشترط في كل الحالات التقيد بالمخارج وأحكام التلاوة.
المرتبة الأولى: الحدر: وهو سرعة التلاوة مع التقيد بأحكام التلاوة والتجويد.
المرتبة الثانية: التحقيق: وهو إتقان التلاوة وتدبر المعاني والتقيد بالأحكام التجويدية ويلزم في ذلك التؤدة والتمهل والطمأنينة والتثبت وبذلك يحصل التعليم والتدريب والتمهر في رياضة اللسان وتقويم النطق وتحقيق الطلاقة.
المرتبة الثالثة: التدوير: وهو تلاوة بين الحدر والتحقيق بشرط التقيد بالأحكام وتندرج المراتب كلها في مقام واحد هو مقام الترتيل قال تعالى" ورتل القرآن ترتيلا ".
 ولا شك أن الترتيل هو ترتيب الحروف على حقها في تلاوتها بما يقتضيه مقام القرآن من التمهل والترسل والتدبر. قال الضحاك: "اقرأه حرفا حرفا". وقال مجاهد: "أحب الناس إلى الله في القراءة أعقلهم عنه".
 والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه ثغر رتِل ورتَل بكسر العين وفتحها إذا كان حسن التنضيد.
وقد أشار الإمام ابن الجزري إلى هذه المعاني في الطيبة بقوله 
ويُقرأ القرآن بالتحقيق معْ     حدْرٍ وتدوير وكلٌّ متَّبعْ
الأساليب الممنوعة: 
ويقصد بها الأنماط والأساليب المبتدعة المخالفة لأصول القراءة وكيفياتها المعتمدة لدى الراسخين وإنما منعت لِما تجسده من التكلف والتطبع وخرق المألوف، ومنها: 
1-التحزين: وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة، ويتظاهر بالحزن ويكاد يبكي من التأثر ويتخشع، وما ذلك إلا التكلف والرياء المحض في الأغلب الأعم كما صرح بذلك العلماء.
2-التطريب: وهو الترنُّم بالقراءة بحيث يمد في غير محال المد، ويزيد المد بما ليس جائزا في اللغة والتجويد.
3-التحريف: وهو القراءة الجماعية بصوت واحد ثم يقطعون قراءتهم ويأتي بعضهم ببعض الكلمة والآخر ببعضها وهنا يغيب الخوف والخشوع والهيبة، ويتحول القرآن إلى أصوات وألحان وأنغام، وتختفي مقاصد الترتيل والتلاوة والتدبر.
4- الترعيد: وهو أن يرعِّد صوته حتى يكون فيه اضطراب واهتزاز كالذي يرتعد من برد أو ألم أو خوف.
5- الترقيص: وهو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة.
6-الخُنَّة: وهي نوع من الغنة المستحدثة خارجة عن مجالها، وهي خنة؛ لأنها أشد من الغنة مع ما فيها من القبح والتكلف وقد وردت في الحديث الشريف دالة على آثار البكاء والخشية ولكنَّ نقلها من مجالها التداولي اللغوي إلى وصف تداولي جديد مستخدم في التجويد هو من وضع الدكتور الجيلي علي أحمد بلال في كتابه "رياضة اللسان بتلاوة القرآن"، وهي غنة يستخدمها هؤلاء الجهلة مع كل الحروف، فليست الغنة خاصة عندهم بالميم والنون كما هو معروف، وإنما يعممونها على كل الحروف قصدا للتطريب وحرصا على تحقيق غايات خارجة عن قداسة القرآن وحقوقه.
7- الترديد: وهو رد الجماعة على القارئ في ختام قراءته بلحن واحد.
حقوق القرآن:
1- حق الإيمان به قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا".
2-حق تلاوته وحفظه وتعظيمه والتأدب معه "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم".
3-حق مصاحبته والخوف من هجره: قال تعالى:" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا". 
4- حق العمل به: قال تعالى:" اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم".
5-حق الاستماع والإنصات له قال تعالى:" وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"
6- حق تدبره والخشوع والبكاء عند تلاوته:" قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن".
وظائفه:
1- وظيفة الهداية والترشيد
2- وظيفة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
3 -وظيفة العلم والتعلم
4- وظيفة الحكمة والرحمة والتسامح
5- وظيفة التبشير والإنذار
6-وظيفة الفهم والاستقامة
7-وظيفة البيان والتوجيه
8- وظيفة العمارة والخلافة
9- وظيفة الوسطية والاعتدال
10- وظيفة القوة والتمكين والشهود الحضاري... وغيرها من الوظائف المستنبطة من القرآن الكريم 
الخلاصات:
1-التلقي والمشافهة: ورغم أن للتجويد قواعده التي يجب تعلمها بالدراسة وضبطها بالتحقيق، فإنه علم قائم على التدريب والممارسة والمران والتلقي من أفواه المهرة المتقنين ولا يمكن أن يؤخذ من المصاحف مهما بلغت من الجودة والاتقان ولا من الكتب العلمية مهما كان فيها من قوة الشرح والإيضاح والبيان بل لابد فيه من المشافهة والتلقين والمقابلة وجها لوجه حتى تضبط الأحكام والكيفيات التي لا تكون إلا بالسماع الذي يحيي موات القلوب، ويهدي للتي هي أقوم.
 قال الإمام السيوطي نقلا عن الإمام ابن الجزري:" ولا أعلم لبلوغ النهاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن وقاعدته ترجع إلى كيفية الوقف والإمالة والإدغام وإحكام الهمز والترقيق والتفخيم ومخارج الحروف" الاتقان في علوم القرآن ج1/100
2-التجويد قبل التحفيظ: من الأخطاء الفادحة حفظ القرآن وتثبيته في الصدور قبل تعلم المخارج والصفات وأحكام التجويد الرئيسة والتدرب على كيفيات التلاوة وتطبيقاتها حتى تترسخ ملكة التلاوة والترتيل في حياة المتعلمين سواء كانوا صغارا أو كبارا.
3-المقاصد قبل الحروف: ومن المعلوم أن القرآن الكريم جاء لتحقيق التوحيد والتعبد والعدل وإقامة موازين القسط وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور وتزويدها بالقيم الحيوية التي تقود الحضارة والمدنية وتحفظ الكرامة الإنسانية بعيدا عن الغلو والشطط والعصبية والتقليد واتباع الهوى.
4-التدبر هو الغاية: ولاريب أنه يكون من الفائزين الآمنين والسعداء الراشدين أصناف من الناس لحسن صحبتهم وعملهم وسيرهم. فمنهم من تحقق بمعاني التجويد والترتيل وحقوق التلاوة. ومنهم من تأدب بآداب القرآن، وحافظ على حقوقه ووظائفه، واحتسب الأجر. ومنهم من قام بمطالب التفقه والتدبر والاستنباط، وإعمال النص في نفسه وفي الناس. 
ولا شك أن هؤلاء جميعا وغيرهم من أهل الله وخاصته هم من الذين تشملهم الرحمة والنجاة والفوز والفلاح والخلود والكرامة في الدنيا والآخرة بسبب ما عندهم من الإخلاص والطاعة والتوفيق والعناية الإلهية.
مراجع المقال:
1-رياضة اللسان بتلاوة القرآن للدكتور الجيلي علي أحمد بلال 2004
2-كتاب الثقافة الإسلامية لنخبة من أساتذة الثقافة الإسلامية- قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الإمارات. 2018
3-أحكام التجويد- الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف- دولة الإمارات العربية المتحدة- 2018
4-الإتقان في علوم القرآن للإمام جلال الدين السيوطي بدون تاريخ.
5-أحكام التجويد في ضوء علم الأصوات الحديث، للدكتور عبد الله عبد الحميد سويد بدون تاريخ.
6-الأصوات اللغوية، للدكتور إبراهيم أنيس- 1990
7- أحكام قراءة القرآن، محمود خليل الحصري- 1996
8- التبصرة في القراءات، مكي ابن أبي طالب القيسي- تحقيق محي الدين رمضان- 1985.
9- التمهيد في علم التجويد، ابن الجزري، تحقيق علي حسين البواب 1985.
10- الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، مكي ابن أبي طالب القيسي، تحقيق أحمد حسن فرحات
1984 
11- مباحث في علوم القرآن – مناع القطان- 2000م

سبت, 02/04/2022 - 10:45