يثور في تونس جدل سياسي كبير بعد تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بشأن إمكانية العودة للتفاوض على مصير الحكومة الحالية التي يقودها يوسف الشاهد.
وجاءت تصريحات الغنوشي بعد لقائه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي, ورأى البعض أن الحركة غيرت رأيها نحو التخلي عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فيما نفت قياداتها ذلك.
واللقاء الذي دار بين السبسي والغنوشي بشأن إعادة إحياء المفاوضات حول مستقبل الحكومة، هو الأول من نوعه عقب قرار الرئيس تعليق المحادثات بشأن وثيقة قرطاج الثانية في آخر مايو/أيار الماضي، بسبب تمسك حركة النهضة آنذاك بالإبقاء على حكومة يوسف الشاهد، بينما طالبت أحزاب ومنظمات بتنحيته.
وبعد إعلان راشد الغنوشي قبول حزب النهضة بالعودة مجددا لطاولة المفاوضات ومناقشة كل النقاط بما فيها النقطة 64 من وثيقة قرطاج والمتعلقة بمصير الحكومة، ذهب كثيرون إلى أن هناك توافقا بين الرجلين يعبد الطريق للإطاحة بالشاهد، حتى أن التعليقات على صفحات مواقع التواصل باتت تتساءل عن اسم رئيس الحكومة الجديد.
والنقطة 64 هي أساس الخلاف بين حركة النهضة الرافضة لتغيير جوهري خشية المس بالاستقرار، وبين شريكها في الحكم حزب نداء تونس واتحاد الشغل وأحزاب ومنظمات تطالب بإقالة الشاهد بحجة تدهور الأوضاع.
ويقول الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري إن حزبه لا يزال متمسكا بالحفاظ على الاستقرار الحكومي، بمعنى استمرار دعم رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد شريطة أن ينأى بنفسه عن الترشح للانتخابات القادمة سنة 2019.
ويوضح أن الخلاف لا يزال قائما بين النهضة وبين شركائها في الحكم الراغبين في الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، ولا سيما بعد إقالته مؤخرا مسؤولين في قطاع الطاقة بشبهة فساد.
مطالب الفريقين
ورغم وعيه بأن إلزام يوسف الشاهد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة شرط غير دستوري، فإن الخميري يقول إن حياد الحكومة وعدم مشاركتها في الانتخابات أمر متفق عليه بين جميع الأطراف، مضيفا "نحن لا نصادر حق أحد الدستوري بالترشح للانتخابات لكننا نرفض الزج بالحكومة في التجاذبات السياسية".
في المقابل، يقول حافظ قايد السبسي -وهو المدير التنفيذي لحركة نداء تونس ونجل رئيس الجمهورية- إن حزبه لا يهتم إن كان الشاهد سيلتزم بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة أم لا، متمسكا بمطلب إقالته بدعوى تدهور الأوضاع العامة على جميع المستويات.
وترمي حركة نداء تونس للإطاحة بالشاهد رغم أنها هي التي أوصلته لمنصب رئيس الحكومة، حيث كان يوصف بأنه مقرب من الرئيس السبسي.
وتستمر حركة نداء تونس في محاولة إقناع النهضة بالتوافق على جميع نقاط وثيقة قرطاج الثانية، وخاصة النقطة 64 لإجراء تغيير شامل على الحكومة، وهو نفس مطلب اتحاد الشغل (منظمة نقابية) الذي ستجتمع هيئته الإدارية يوم 13 سبتمبر/أيلول الجاري للنظر في إمكانية شن إضراب عام بالوظائف الحكومية.
لكن النائب المعارض عماد الدايمي يقول للجزيرة نت إن يوسف الشاهد لم يعد مجرد ورقة يجري تدارسها بلقاءات السبسي و الغنوشي، مشيرا إلى أنه أصبح فاعلا سياسا بارزا يساهم في خلط الأوراق خاصة بعد إقالة مسؤولين في قطاع الطاقة.
ويرى أن لقاء الرجلين كان مجرد مناورة مع بداية الموسم السياسي لحسم ملف الحكومة ذات المكونات المتناقضة.
تناقضات وصراعات
ويضيف أن اللقاء يهدف للوصول إلى حل في ظل التناقضات الكبرى بين مختلف مكونات الحكومة والصراع المفتوح بين السبسي والشاهد.
ويقول الدايمي إن مهمة السبسي والغنوشي لن تكون سهلة في الوصول إلى موقف موحد بشأن مصير الحكومة الحالية رغم تقاطع المصالح بينهما، ملاحظا أن سياسة التوافق لم تعد محددا رئيسيا في المعادلة السياسية بالبلاد، وأن هناك محددات أخرى أهمها ما أسماه بالنفوذ المتعاظم ليوسف الشاهد داخل نداء تونس وخارجه.
لكن القيادي بحزب الجبهة الشعبية اليسارية محسن النابتي يعتقد أن سقوط حكومة الشاهد أصبح مسألة وقت بعد لقاء رئيس الجمهورية برئيس حركة النهضة، واصفا اللقاء بالمهم كونه جاء بعد الإقالات في قطاع الطاقة وتجديد حركة النهضة رفضها ترشح رئيس الحكومة للانتخابات.
ويوضح أن اشتراط حركة النهضة على رئيس الحكومة عدم الترشح للاستحقاقات المقبلة لاستمرارها بدعمه هو عبارة عن "نصف إقالة له"، متوقعا أن يتم اللجوء إلى سحب الثقة من يوسف الشاهد مع العودة البرلمانية في الأسابيع القليلة القادمة إذا تم التوافق بين الأطراف على النقطة 64.
وبحسب المحلل السياسي رشيد خشانة، فإن حركة النهضة ستتجه للتخلي عن مساندة الشاهد في حال ضمن لها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مكاسب وزارية مهمة في الحكومة المقبلة، "تماما كما مكنها سابقا الشاهد من حقائب وزارية ووظائف عليا بصلب الحكومة الحالية".
ويضيف خشانة للجزيرة نت أن حركة النهضة قبلت بالعودة للمفاوضات حول جميع نقاط وثيقة قرطاج الثانية بما فيها النقطة 64، لأنه تم الاتفاق خلال لقاء السبسي والغنوشي على تأمين مصالح الحركة ومكاسبها الوزارية في الحكومة القادمة مقابل الموافقة على تنحية رئيس الحكومة يوسف الشاهد، على حد قوله.
المصدر : الجزيرة