أرأيتها ضاقت علينا وحدنا؟!

محمد اندح

كلما دوّنت عن الشأن العام خارج نطاق الرياضة؛ خاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا الخلافية التي يسلك فيها الناس طرائق قِدداً؛ يرى بعضهم أنه على طريق هادية إلى سواء السبيل فيها، وأن مخالفَه على مسلك يهوي به بسرعة الضوء إلى داهية الهلاك! أتلقى سيلاً من التهكم والسخرية من كثيرين؛ لَكأنهم مُسائليَ، "كيف وسعك أن تطرق هذا الشأن وأنت الرياضي"؟!
بعضهم، يسألني متهكماً، حين يُعوزه الرد بالمنطق على ما هو مكتوب، أو حين يفحمه الكلام، "ما علاقة هذا الأمر بالرياضة"؟ وكأنه قد حُرِّم على كل شخص له صلة بالرياضة أن يتصدى للحديث في الشأن العام!
ليكن في علم هؤلاء، أصحابِ النظرة الضيقة الإقصائية، أن الحَكَم بيننا وبينهم هو فصل الكلام والمحاججة بالتي هي أحسن، حجة بحجة، وفكرة في مقابل فكرة، ولسنا نهتم بمجال عملهم في الحياة، نواباً أو معلمين، أو أساتذة، أو أطباء، أو حمّالين، أو رعاة غنم، أو باعة رصيد، أو أئمة مساجد (لا دلالة للترتيب هنا، فكل المهن محترمة).. 
كما عليهم أن يعلموا أنّ اتخاذ الرياضة مجالاً للعمل في الحياة، أو هواية للتسلية، لا يعني أن المرء الذي يختار ذلك منا غيرُ مؤهل، أو لا حق له بعد ذلك، في الحديث في السياسة والدين والاقتصاد والأمن والمجتمع، وغير ذلك من الأمور العامة التي يُدلي فيها كل من هبّ ودبّ، أو حتى من هبّ فقط دون أن يدبّ، برأيه، ثم يجد نفسَه مسموعَ الكلام فصيحَ اللسان، مقبولَ الرأي، دون أن ينكر عليه أحد ذلك، طالما أنه لا يعرف شيئاً عن الرياضة ولا يتحدث عنها!
لعلمكم، لا توجد صلة ثابتة بالضرورة بين مجال عمل الإنسان وهوايته، وبين مجال دراسته وتكوينه المعرفي، كما لا يوجد عمل -مهما كان- يمكن أن يُفقدَ صاحبَه عقلَه ورشادَه وذكاءَه، والأهم حقّه في إبداء رأيه، كما لا يوجد شأن عام تمنح الثرثرة الكثيرة فيه صاحبَها معرفةً أو علماً لم يسلك أبداً طريقاً إلى كسبهما، وهذه قاعدة منعقد عليها "إجماع" لا ينخرم بالواحد، ولا بالعشرة! 
***
هنا يتحدث الغبي والجاهل والأمي، وصاحب كل مِهنة وكل حِرفة، صغيراً أو كبيراً، في السياسة والدين والفكر والفن والرياضة وفي الشأن العام كله، ثم لا يحق لأحد أن يُنكر عليه ذلك، أما حين يتطرق "الرياضي" المعروف بذلك مرة إلى الحديث في هذا الشأن، فإن سهام هؤلاء المذكورين ستتصدى له سريعاً، فلا تترك له فرصة حتى لممارسة "الرياضة الذهنية" في الشأن العام كما يمارسها الجميع!!!
يقول شاعر فلسطين الحكيم تميم البرغوثي في رائعته الشهيرة "في القدس":
ﻓﻴﻬﺎ الزنج ﻭﺍﻹﻓﺮﻧﺞُ، والقِفْجَاقُ ﻭﺍﻟﺼﻘﻼﺏُ، ﻭﺍﻟﺒُﺸﻨﺎﻕ ﻭﺍﻟﺘﺎﺗﺎﺭ ﻭﺍﻷﺗﺮﺍﻙُ، ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻬﻼﻙُ، ﻭﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻼﻙُ، ﻭﺍﻟﻔُﺠّﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﻙُ.. ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ وطِئَ ﺍﻟﺜﺮﻯ..
ﺃﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺣﺪﻧﺎ.. ﻳﺎ ﻛﺎﺗﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ.. ﻣﺎﺫﺍ ﺟﺪ ﻓﺎﺳﺘﺜﻨﻴﺘﻨﺎ؟؟
#لقوم_يعقلون
من #أرشيفي 2017

ثلاثاء, 17/05/2022 - 08:07