شيرين.. قصة لا تنسى!

 احمد القطامين

كان الجندي يقف بجانب سيارته العسكرية واضعا اصبعه على زناد سلاحه الفتاك انتظارا لوصول شرين التي ما لبثت ان ترجلت مع فريقها الصحفي من السيارة مرتدية الزي الذي يميز الصحفيين في مناطق التأزم. كان الوضع لا زال هادئا في المخيم الذي يشبه في كثير من تفاصيله الفلوجة في العراق ابان الاحتلال الامريكي للعراق ويشبه هانوي ابان الاحتلال الامريكي لفيثنام.. جنين والفلوجة وهانوي اماكن تشبه الاسطورة سجلت اعلى درجات الصمود في وجه الغزاة وحولت هذه المدن نفسها الى ايقونات خالدة في الفكر البشري المقاوم عبر التاريخ.
ترجلت شيرين من سيارتها مباشرة امام نظر الجندي الذي تم اعداده وتدريبه على القيام بمهمة واحدة هذا اليوم هي قتل شيرين. اطلق الجندي زخات متواصلة من الرصاص باتجاه الفريق الصحفي وسقط احد الصحفيين على الارض بعد اصابته بطلقة نارية في ظهره لتصرخ شيرين: لقد اصيب.. لقد اصيب، ولم تكاد تنهي كلامها حتى اصابتها رصاصة في المنطقة الوحيدة غير المحمية في جسدها.. بالضبط المنطقة بين الخوذة التي تحمي الرأس والسترة الواقية التي تحمي الجزء الاعلى من جسمها. لا شك ان هذا الجندي قد تلقى تدريبا متقنا على القتل والاصابة الدقيقة التي تقود حتما الى تفجير الرأس بكامله وبالتالي ضمان الموت المؤكد للضحية. انه قاتل محترف لا يشق له غبار.
استقل الجندي سيارته وانسحب من الموقع باعصاب باردة وشعور عارم بالانجاز وسرعان ما تلاشى بعيدا في شوارع المدينة تحت حماية جيشه ليعود لثكنته العسكرية للاحتفال بالمناسبة.. وكانت شيرين قد فارقت الحياة مباشرة بعد اصابتها بالطلقة النارية وتدافع بقية اعضاء الفريق الصحفي لتفقد وضعها بعد الاصابة وسادت حالة من الحزن والاسى وما هي الا دقائق قليلة حتى جال خبر الجريمة اركان المعمورة، في عالم كان شديد الصدمة لحجم ومستوى الاجرام الذي ميز جريمة قتل شيرين.
مجموعة من الفدائيين الذين يحمون المخيم كانوا اول من وصل الى مسرح الجريمة حيث جثمان شيرين بين يدي زملائها من فريق العمل الصحفي المرافق لها. تم لف جسدها بما تيسر من الادوات المناسبة وحملت على اكتاف الفدائيين وهم يرتدون لباسهم القتالي ويحملون بنادقهم واسلحتهم ، لقد كانوا بكامل عدتهم العسكرية وجثمان شيرين محمولا على اكتافهم القوية. بالرغم من كل شئ فان شيرين لو كانت على قيد الحياة ستشعر حتما بالفخر ان يتم الاعتناء بها من قبل هؤلاء الرجال الذين جعلوا مخيم جنين اسطورة المقاومة وفي مصاف الفلوجة وهانوي ورمزا خالدا من الرموز الدالة على مستقبل الحالة برمتها..
رحلت شيرين ايقونة خالدة لشعب سيعود الى بلاده لانه ببساطة يمتلك الحق الى جانبه ويمتلك رجالا ليسوا كبقية الرجال ابطال يرتدون ملابس الرجال، حتما سيعود “وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة”.. صدق الله العظيم.

نقلا عن رأي اليوم

خميس, 19/05/2022 - 09:39