زوم الصحراء (15).. تعليق التشاور..سحابة أم قشة؟!

فجأة والأنظار متجهة للحظة الافتتاح ومضامين كلماته، وقسمات وجوه المشاركين وتوزعهم على الورشات أعلن عن تعليق التشاور لأجل غير مسمى فدخل المشهد السياسي في لحظة من أكثر لحظاته تشويقا منذ الانتخابات التي جرت قبل سنوات وأوصلت الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني لسدة الحكم. 

 

ما الذي أوصل المشهد للحظة التعليق، أهو تطور "ما" مفاجئ في الحسابات التي بني عليها المسار الذي أخذ انضاجه أكثر من سنتين، أم أنه اقتراب مواسم المنافسة السياسية جعل الفرقاء يتحسسون مواقعهم المستقبلية أكثر مما يقدرون مواقعهم الحالية، ومقتضيات إكمال مسار تشاور يفترض أن الاتفاق قد حصل على الأصعب فيه (انعقاده، الاشراف عليه، جدول أعماله بما فيه العناوين الفرعية، وقوائم المشاركين فيه..؟) 

 

ساعات ما قبل التعليق..
بحسب تجميع المعطيات الذي قام به -مركز الصحراء- فقد ساهمت أحداث عدة في قرار التعليق الذي كان مفاجئا حتى لبعض الدوائر التي تعتبر نفسها مطلعة، ومن أهم هذه العوامل: 

 

- تفاقم الخلافات في الكتل السياسية المشاركة في قطبي المشهد الموالي والمعارض؛ وهي خلافات تبدأ من التمثيل في اللجان، ولا تتوقف عند مواضيع الحوار ومخرجاته. 

- مقاطعة أطراف سياسية معتبرة لتشاور اتفق المشاركون فيه على أن يكون عنوانه الشمول وعدم إقصاء أحد أو استبعاد أي موضوع (معروف أن حزب التحالف بقيادة الرئيس مسعود ولد بخير لم يشارك في الجلسات التمهيدية كما قاطعها في وقت لاحق قطب التناوب بقيادة الرئيس بيرام الداه اعبيد). 

- مخاوف لدى بعض الجهات من ما تعتبره مخاطر فتح ملفات حساسة مثل العبودية  والإرث الإنساني وقضايا الفساد. 

- عدم جاهزية الحزب الحاكم في وضعه الحالي لقيادة الفريق الداعم للسلطة أثناء الحوار وذلك بفعل تعيين رئيس الحزب (ولد الطالب اعمر) وأحد أهم نوابه( ولد الوقف) في مواقع تحد سياسيا وعمليا من قدراتهم على الاستمرار في قيادة الحزب. 

 

كيف وصلت الرسالة..؟ 

واضح أن استقبال الرسالة  من الأطراف المشاركة في التشاور كان مختلفا: 

- ففي حين استقبل المغاضبون والمقاطعون القرار بارتياح وفق مصادر مقربة منهم؛ إذ أعطى دليلا على تعذر استمرار التشاور بدونهم. 

- عبر المعارضون المشاركون عن الصدمة حد وصف الأمر بالانقلاب المكتمل. 

- أما الداعمون للحكومة فقد كان التحفظ باديا في موقفهم مما يعكس مزيجا من عدم التوافق الداخلي ربما على الموقف، أو لعله تقدير موقف أن إظهار الحماس للتعليق يظهره كما لو كان تلبية لرغبتهم مما قد يمثل احراجا للجهة الراعية. 

 

سحابة أم قشة..؟
ويبقى السؤال الأهم على ألسنة شركاء الحوار والمتابعين له في الرأي العام هو هل مات الحوار، وهل بعد موته من بعث؛ هل نحن أمام سحابة صيف متوقع أن تنقشع في كل حين أم أن الأمر يتعلق بقشة أو ربما قشات قصمت نهر البعير. 

 

في واقع الأمر لكل من السيناريوهين ما يدعمه: 

- فبالنسبة لسيناريو السحابة تعززه أمور: 

- أولها أن التهدئة (والتشاور أبرز ثمارها) هي الميزة التي يتفق طيف واسع أنها ميزت حكم الرئيس غزواني لذا فالمنطق أن يكون الحرص على استمرارها كبيرا ما يعني تذليل العقبات التي قد تدفع إلى نقيض التهدئة والعودة لمربعات التصعيد. 

- ثانيها أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي وظروف الإقليم تجعل الكل (بمن فيه الشركاء الخارجيون) معني بالحيلولة دون وضع سياسي قد يوفر الحاضنة الأخطر لحالة قد تخرج عن سيطرة الكل وتربك الكثير من الرهانات الاقتصادية والحسابات الجيو- استراتيجية. 

أما سيناريو القشة فمن معززاته: 

- تجذر الخلافات والتخندقات داخل المشهد السياسي بشقيه الموالي والمعارض؛ ما جعل جهد أغلب الفاعلين منصرف لتصفية حسابات بينية ينظر أصحابها لمن يدير الملفات أكثر من نظرتهم للملفات ذاتها ومن باب أحرى للمصلحة الوطنية الراجحة. 

- قناعة متجذرة لدى جهات نافذة أن مخرجات الحوار أو التشاور لن تكون ذات جدوى ،بل ربما تحدث اختلالات في نظرهم أخطر من تلك التي تسعى لتصحيحها. 

 

ترجيح:
مع الاعتراف بصعوبة الترجيح بين خياري السحابة والقشة يمكن القول مع بعض المجاز إن السحابة ستنقشع ربما مع نهاية الصيف وحلول الخريف وأن التشاور سيستأنف ربما بمراجعات في جهة الاشراف وجداول الأعمال، وهو ما قد يوجد مغاضبين ومقاطعين جددا، لكنه غالبا سيستأنف؛ ذلك أن البديل عنه مقلق للجميع ،ويمكن أن يدفع المشهد ومعه البلد إلى وضع يخسر فيه الجميع ليس مجرد مواقع حزبية ، وإنما ما هو أهم الاستقرار والتنمية والوحدة والديمقراطية.

اثنين, 06/06/2022 - 19:58