هكذا عرف أهل الجزيرة العربية ذلك النجم الرائع "سهيل اليماني" صاحب النوء الحميد الذي بظهوره يستبشر الناس خيرا بحلول موسم المطر وانكسار حدة الصيف وحرارته ورطوبته العالية.
سهيل أو كانوباس كما في اللاتينية، هو ثاني ألمع نجوم السماء بعد الشعرى اليمانية، وهو في القصص العربية أخوها، وله أخت أخرى اسمها الشعرى الشامية.
تقول الحكاية إن سهيلا تزوج بالجوزاء فاختلفا فضربها فكسر فقارها ففر هاربا إلى الجنوب خوفا من الثأر، فلحقت به أختاه عبر نهر المجرة، فعبرت الأولى النهر فسميت الشعرى العبور وهي المعروفة بالشعرى اليمانية، بل هي النجم الوحيد الذي ذكر في القرآن الكريم عدا الشمس (وأنه هو رب الشعرى) في حين كانت أختها ضعيفة لم تقو أن تعبر النهر فجلست عند ضفته الشمالية تبكي أخويها حتى غمصت عيناها فسميت الشعرى الغميصاء.
وظهور سهيل في السماء يبدأ ككل النجوم فجرا، وأول هذا الظهور يكون في 24 من أغسطس/آب، لكن أهل بلاد الشام يتأخرون في رؤيته لأنه منخفض فوق الأفق الجنوبي بالنسبة لهم.
ولما كان سهيل -واسمه مشتق من السهولة، النجم الذي سميت أقمار صناعية عربية باسمه كسهيل سات القطري- نجماً جنوبياً لامعاً، فقد قرنت العرب أحوال الطقس بظهوره، تماما كما فعلت مع نجوم أخرى كثيرة، ولكن مع فارق التشبيه، كون سهيل ليس من نجوم مدار البروج التي تنزل الشمس والقمر فيها، أي في البروج الاثني عشر، بل هو بعيد كل البعد عنها، ومع ذلك فقد استبشر أهل الجزيرة به الخير وقرنوا اعتدال الطقس وبدء موسم المطر به، ليس كونه الفاعل كما كان يظن بعض الأقدمين، ولكن لأن الأرض في وقت ظهوره تكون في موضع يعتدل فيها محورها مبشرا بموسم الخريف الذي هو مقدمات الشتاء على بعد بضعة منازل من منازل الشمس بين النجوم.
وقد قسمت العرب السماء إلى 28 منزلا قمريا، وتدعى بالمنازل الشمسية كذلك، حيث ينزل القمر كل يوم في واحد منها، فيقطعها جميعا في شهر، وهو الشهر القمري، بينما تنزل الشمس في كل منزل منها مدة 13 يوما، وما أن تعود الأرض إلى موضعها الأول، تكون الشمس قد عبرت جميع المنازل فاكتملت السنة الشمسية وعادت الفصول إلى ما كانت عليه.
وهذه المنازل مكونة من نجم واحد منفرد أو نجمين أو مجموعة نجوم، ولكل واحد منها اسم مقترن بشكله أو موضعه من البرج الذي ينتمي له. فلربما نزل القمر فيه أو بالقرب منه.
أما الشمس فتنزل في أول كل منزل وتتحرك ببطء عبر نجومها حتى تنتقل بعد 13 يوما إلى المنزل التالي. وجميع هذه المنازل من نجوم البروج الاثني عشر المعروفة عدا ثلاثة فقط، هي منزل الهقعة، وهي من نجوم الجوزاء زوجة سهيل، ومنزلا الفرغ المقدم والفرغ المؤخر، وهما من نجوم مربع الفرس الأعظم التي سمته العرب الدلو، وهي كالآتي:
الشرطان والبطين (الحمل)، الثريا والدبران (الثور)، الهقعة (الجوزاء)، الهنعة والذراع (التوأمان)، النثرة (السرطان)، الطرفة والجبهة والزبرة والصرفة (الأسد)، العواء والسماك والغفر (العذراء)، الزباني (الميزان)، الجبهة والقلب والشولة (العقرب)، النعائم والبلدة (القوس)، سعد الذابح (الجدي)، سعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية (الدلو)، الفرغ المقدم والفرغ المؤخر (الفرس الأعظم)، الرشا (الحوت).
" وتنقسم منازل سهيل إلى أربعة، تبدأ بـ "الطرفة" ومدتها 13 يوماً، وتبدأ من تاريخ 24 أغسطس/آب، ويكون الجو فيها دافئا ورطبا في الليل مع ارتفاع في درجات الحرارة نهارا. تليه "الجبهة" والتي تقدر أيامها أيضا بـ 13 يوماً تبدأ من 6 سبتمبر/أيلول، حيث تزداد فيها الرطوبة ويتشكل الضباب، وتهاجر الطيور.
تعقبها "الزبرة" وهي الشعر الذي على كتف الأسد، وتستمر لـ 13 يوما من تاريخ 20 سبتمبر/أيلول، ويأخذ الليل فيها بالازدياد ويقصر النهار. وأخيرا تأتي "الصرفة" وتبدأ بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول، وتعود تسميتها بالصرفة لانصراف فصل الصيف الطويل.
وعن ظهور سهيل، يقول بدو شمال الجزيرة العربية وجنوب الأردن: ما حرّ إلا حرّ سهيل، وحرّ الشعرى تالي الليل، وذلك كناية عن ذهاب الحر بظهور سهيل. وفي اليمن يربطون الموسم الزراعي الوفير مع ظهور سهيل بمنازله الأربعة وهي الزبرة والجبهة والطرفة والصرفة وكلها من برج الأسد.
ولهذا قالوا:إذا طلعت الجبهة، تحانت الولهة، وتنازت السفهة، وقلّت في الأرض الرفهة، وقولهم "تحانت" أي النوق إذا حنّت إلى أولادها. و "تنازت" أي تواثبت السفهاء بطرا وكثر الإسراف، و "قلت الرفهة" أي التبن، وهو آخر ما وجد بعد الحصاد والرعي. ويقولون: أيلول لا قيلول، أي عمل ولا كسل. وينهى فيه عن النوم تحت أديم السماء في العراء لبدء برودة الجو آخر الليل.
وأما في بلاد الشام، فيقولون عن سبتمبر/أيلول: أيلول ذيله مبلول، كناية عن سقوط المطر أواخر هذا الشهر.
غير أن ارتباط سهيل بالطقس تاريخي توثيقي كارتباط بقية النجوم به، وهو العلم الذي أسماه القدماء الأنواء، ويكافئ التنبؤ الجوي في عصرنا الحديث.
وليس لكل ذلك علاقة بتغير المناخ، إذ إن العامل الرئيس الذي يمكن أن يلعب دوراً في تغير المناخ هو ارتفاع درجة حرارة الأرض، أو ما يعرف بالاحترار المناخي الذي يمكن أن ينتج عن زيادة في الطاقة الشمسية المتولدة من الانفجارات الشمسية على مدى سنين طويلة ضمن دورة النشاط الشمسي المغناطيسية كل 11 سنة. فإن حدث ذلك أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض درجة واحدة أو أكثر مما يعمل على إذابة بعض جليد الأقطاب، فيرتفع بها منسوب البحار والمحيطات ويغمر بعض اليابسة، خصوصاً تلك المدن الساحلية المنخفضة، وتزداد كميات الهطل ومواقعها مما يسمح بزيادة الرقعة الخضراء على سطح الأرض مقابل انحسار في مساحات الصحاري.
وأما سهيل في الشعر العربي فهو ذلك النجم الذي لطالما عشقه مالك بن الريب وقال عنه في قصيدته التي رثى بها نفسه حين خرج مع عثمان بن عفان رضي الله عنه للغزو في بلاد خراسان ومات هناك، ففيه يقول:
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّــــه يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
كما شبه أبو العلاء المعري احمرار خد محبوبته بلون نجم سهيل الذي يرى منخفضا في الأفق الجنوبي متلألئا بلونه الأحمر نتيجة انكسار ضوئه في الغلاف الجوي فقال:
وسهيل كوجنة الحِّب في اللون وقلـب المــــحب في الخفـقــــان
يسرع اللمح في احــــــــمرار كما تسرع في اللمح مقلة الغضبان
ضرجته دمىً ســــيوف الأعادي فبكت رحمة لــــه الشـــــعريــــان
وفلكياً، فسهيل أحد النجوم العمالقة البيض، يفوق حجمه حجم الشمس بـ 350 ألف مرة، وهو بذلك أشد سطوعا منها بحوالي 11 ألف مرة، ولهذا يحتل مرتبة ثاني ألمع نجوم السماء رغم أنه يبعد عنا مسافة 310 سنوات ضوئية، وهو ما يعادل 12.5 ألف تريليون كيلومتر.
المصدر : الجزيرة