لم تنتهِ الحربُ الباردةُ الّتي كانت بين القِوى العُظمى آنذاك مُتمثّلةً بالولايات المتحدة عن المعسكر الغربيّ والاتّحاد السوفيتي عن المعسكر الشّرقي ،بل أخذَتْ عدّةَ أشكالٍ حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ،من حربٍ على النّفوذ إلى تصارع الثّيران في أوكرانيا ، وحرب السّلاح و التّصريحات، بدايةً بدفع “أمريكا” الدّول الأُخرى إلى مقدّمةِ الصّراع ضدّ روسيا ليكونوا في الواجهة وليس انتهاءً منها بتجييشِ بعض الدّول الغربيّة والعربيّة ضدّ روسيا.
وكما نعلم أنّ الولاياتِ المتّحدةِ وإسرائيل شريكٌ رئيسيٌّ في الحرب ضدّ روسيا ،فقد دفعت الأخيرة لواجهة الصّراع، وباتت تُظهر العداء شيئاً فشيئاً تجاه روسيا من خلال زجّ مرتزقة يهود في الحرب الرّوسية الأوكرانية، وأسلحة إسرائيلية كشف عنها الجيش الرّوسي إضافة إلى تبنّي إسرائيل خطابات زيلينسكي ،وليس آخراً تسويق علني لأسلحةٍ إسرائيليةٍ جديدة ضدّ روسيا،حيث يرى الكاتِبَين فلاديمير أوفيتشينسكي، و يوري جدانوف في مقالٍ لهما في روسيا اليوم أنّ الحربَ في أوكرانيا تُشكّل خلفيةً لوزارة الدّفاع الإسرائيلية والعديد من الشّركات الإسرائيلية لاستعراض تقنياتٍ جديدةٍ، كما يؤكّد مُدراء صناعة الدّفاع الإسرائيلية أنّه “مع استمرار الحرب في أوكرانيا أكثر من 100 يوم، فإنّ التّحولات في الموقف الدّفاعي في الولايات المتّحدة وأوروبا وأماكن أُخرى تعني التّركيز على صناعة الدّفاع الإسرائيلية، كموردين جاهزين، لتلبية الطّلب”.
وبالتّالي تُشكّل الولايات المتّحدة هُنا رأس الحربة في دفع إسرائيل ودول أوروبا إلى الواجهة في إشعال الحرب ومن الخلف تقود العمليات العسكرية، ومن ناحية تبعات هذه الحرب الّتي أدّت إلى ارتفاع أسعار النّفط والّذي أثّر سلباً على أمريكا تحديداً أخذت كل من الأخيرة وروسيا التّنافس على دول الخليج كلّ بطلبٍ معاكسٍ للآخر، ففي حين تريد الولايات المتّحدة من السّعودية زيادة إنتاج النّفط لخفض الأسعار تريد روسيا العكس, واستبق لافروف زيارة جو بايدن المقرّرة إلى المنطقة في هذا التوقيت، ونجح في منع السّعودية من رفع إنتاجها بالقدر المطلوب في اجتماع أوبك بلاس منذ أسبوع تقريباً، وبالتّالي بقِيت أسعار النّفط مرتفعةً كما تريد روسيا ،ولكن من يعلم هل سينجح بايدن في زيارته القادمة إلى السعودية بإقناعها في زيادة إنتاج النفط وبالتالي خفض الأسعار؟
فيقول هُنا مصدرٌ سعودي خاص رفضَ الكشف عن اسمه أنّ هناك صراع دولٍ عُظمى متمثّلةً بالصّين وروسيا والولايات المتّحدة ،وتأتي زيارة الرّئيس الصّيني التي لم يُحدَّدْ وقتها من أجل هذا الغرض وزيارة الرئيس بايدن في هذا السياق رغم خلافات الأخير مع السعودية ووصفها بالمنبوذة في وقت سابق وخلافاته معها بسبب إيران والأزمة اليمنية.
وبيّنَ المصدر أنّ الموقف السّعودي سوف يعتمد على ماذا سيقدّم الأوروبيون والأمريكيون للسعودية من أجل الانضمام لهم في حلف ضد روسيا، حيث يرى المصدر أنّه بمجرد أن تعلنَ السّعودية بيع النفط بالعملة الصّينية ستتبعها جميع الدول وسوف تنهار الولايات المتّحدة، وعلى هذا تقوم الأخيرة بتقديم الكثير من التّنازلات قبيل جولة جو بايدن في الشّرق الأوسط.
وسبق زيارة جو بايدن إلى المنطقة مغازلة السعودية ،حيث أُطلق رسمياً اسم الصّحفي السّعودي جمال خاشقجي الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في تركيا على الشارع الذي يقع فيه مبنى سفارة السّعودية في العاصمة الأمريكية واشنطن وذلك بعد يوم من الإعلان عن موعد الزيارة للسعودية والمقررة منتصف الشهر المُقبِل على الرّغم من أنّ أجهزة الاستخبارات الامريكية اتَّهمت في وقتٍ سابقٍ محمد بن سلمان بعلمه وموافقته على قتل خاشقجي في القنصلية السّعودية في إسطنبول أكتوبر 2018،وهذا سبب مقاطعة السّعودية للولايات المتحدة.
وفي مصادرٍ خاصّة لرأي اليوم تحدّثت عن قيام الولايات المتّحدة بالاجتماع مع أربع دول عربية إضافةً لدول الناتو في قاعدة أمريكية بألمانيا في نهاية نيسان الفائت، وهو اجتماع خاص لدعم أوكرانيا وللتنسيق الأمني والعسكري ضدّ روسيا، وضمَّ الاجتماع بقيادة أمريكا وبحسب المصدر 43 دولة بينها الدول العربية الأربعة سابقة الذكر وهم المغرب وقطر والأردن وتونس وأيضا اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا إضافةً إلى جميع دول حلف الناتو وذلك للعمل والتّنسيق التّام ضدّ روسيا وحصارها أكثر.
وبهذا نجد أنّ أمريكا تُسرع في الخفاء أو العلن للعمل ضدّ روسيا وتتسابق مع روسيا على مناطق النّفوذ، ففي الوقت الذي تبرّر وجودها في سوريا واحتلالها للأراضي السورية مع مرتزقتها من قوّات قسد منافسة روسيا على ذلك تقوم بأعمال تنسيق مع الجانب التركي كي تُشَرعِنَ وجودها بحجة محاربة تنظيم داعش حيث قامت بعملية إنزال بطائرة مروحيّة قرب قرية الحميرة في ريف إدلب الشمالي المحتل والمحاذي للأراضي التركية، واعتقلت تسعةَ عناصر من التّنظيم بينهم قيادي، ولكنّه أسلوبٌ قديمٌ اتّبعته أمريكا لتبرير وجودها في سوريا ،غير أنّ ما يتجاهله البعض أنّ هذه المنطقة الشّمالية الّتي تضم الرّيفيين الشّماليين لإدلب وحلب تضم مئات الآلاف من عناصر داعش وجبهة النصرة المرحّلون من مناطق سيطرة الدولة السّورية، ولا جديد في الأمر ولا يخفى على أحد وجود قياديين إرهابيين في المنطقة، وما يؤكّد صحّةَ ذلك تعزيز القوات الأمريكية مباشرة بعد العملية صفوفها في مناطق شرقي سوريا، وتوسيع مواقع تمركزها وتحرّك المزيد من القوافل العسكرية بحسب وكالة سبوتنيك.
وتستمر طرق الصّراع الأزلية بين أمريكا والاتّحاد السّوفيتي سابقاً وبينها وبين روسيا في الوقت الحالي، حيث لم تستطعْ الولايات المتحدة أن تستيقظَ من الحلم بعالم أحادي القطب في ظل تصاعد قوى عالمية كبرى كالصّين وروسيا وتسعى جاهدةً لمزاحمة البلدَين على سيادة العالم حتّى بالتّضحية بدول مقابل بقائها في القمة، وعلى ما يبدو أنّها لن تنجحَ بهذا الصّراع على بقائها سيدة العرش مستقبلاً، فمع تقدم الحرب في أوكرانيا ورغم استمرار تقديم السلاح للأخيرة نرى أنّ انعكاسات الحرب ظهرت بشكل أكثر سلبية على الدّول الأُخرى مقارنةً بروسيا مع إعلان البعض رجحان كفّة النّصر لروسيا.
نقلا عن رأي اليوم