زلزال افغانستان وما بعده

صادمة ومؤلمة الصورالقادمة من افغانستان على اثر الزلزال الكارثي الذي  اصاب مدينة خوست على الحدود مع باكستان وتسبب في مقتل وطمرالالاف دون اعتبار للخسائر المادية …اشلاء الضحايا و صرخات الواقعين تحت الانقاض في انتظار فرق الانقاذ التي قد تاتي أو لا تأتي  تعكس فشل و سقوط حكومة طالبان العائدة الى السلطة بعد عشرين عاما في المغاور والجبال و معها تعكس ايضا فشل و عجز المجتمع الدولي والمجتمع الدولي الانساني  وتخلى عن الافغان و تركهم في قبضة حركة ظلامية مهوسة بالسلطة والحكم حتى وان حكمت بفناء و موت الجميع …خوست ومعها كل افغانستان تدفع ضريبة فشل الناتو في هذا البلد و تدرحرجه الى زمن العصورالوسطى و الظلامية البغيضة … خوست أو وادي الموت هي المدينة التي شهدت اعنف المعارك بين القوات السوفياتية والمجاهدين الأفغان، وفيها أيضا انشأت الاستخبارات الامريكية في ثمانينات القرن الماضي قاعدةً عسکرية لتدريب المجاهدين الأفغان بزعامة قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي السابق قبل أن يسيطر عليها اسامة بن لادن حليفها السابق الذي سيتحول الى غريم لها …اكثر من عشرة اشهر تمضي منذ عودة طالبان لافتكاك السلطة على وقع صورالاف الافغان الذين تدافعوا على مطار كابول و تعلقوا بالطائرات في محاولة اخيرة للهروب من جحيم هذا التنظيم …بعضه تمكن من الهروب و اللجوء الى الخارج و بعضهم ماتتحت عجلات الطائرات و بعضهم ظل في افغانستان مستسلما لقدره في ظل سلطة من يدعي انه خليفة الله على الارض و أنه الاقدر على حماية البشر و تطبيق شريعة الخالق وعدالته على الارض مرددا “أنهم أفضل أمة أخرجت للناس “…
كيف سيتعاطي المجتمع الدولي مع كارثة افغانستان و مع احتياجات الافغان . وهل سيغلب منطق اغاثة شعب منكوب في حالة الخطر على منطق مقاطعة طالبان وعزلها بسبب خياراتها؟
تبقى المسألة عالقة في ظل تحويل الانظار عما يحدث للافغان الا ان ما يحدث جراء الكارثة الطبيعية التي استفاق على وقعها الاهالي يعيد الى الاذهان مسألة حيوية و أنه لا يمكن للشعوب المنكوبة أن تدفع ثمن التنظيمات المارقة  التي تستعبدها و تتحول الى رهينة لها…
الحديث عن مأساة خوست يعيدني اليوم الى زيارة سابقة لافغانستان ,شملت كذلك مدينة خوست التي تستغيث اليوم .. من شأن زائرخوست المدينة الافغانية الواقعة على الحدود مع باكستان أن يحتفظ في ذاكرته باكثر من صورة و اكثر من حادثة واكثر من حكاية عن هذه المدينة وأهلها، ولكن أول ما يمكن أن يلمسه دون جهد يذكر حجم الفقر والبؤس المنتشر في هذه المدينة وحجم المعاناة على كل الوجوه التي قد تصادف الزائر في الاسواق الشعبية او محلات اصلاح العجلات او صناعة الملابس الافغانية و المفارش التقليدية في الشوارع المكتظة و على ابواب المساجد حيث تكاد وجوه الاطفال العمال في مختلف الورشات تنطق بما يحدث في هذا البلد من انقطاع عن العالم … هذا ما ظل عالقا في الذاكرة من زيارة اعلامية الى افغانستان كانت فرصة تاريخية لاكتشاف جزء من عالم لا يمكن فهم خصوصياته الجغرافية الوعرة وتاثيراتها على خصوصياته المجتمعية المتصلبة وقدراته على التحمل والصبر والتأقلم مع الطبيعة الافغانية ولكن أيضا مع الموروث الحضاري والتاريخي لهذا البلد الذي غالبا ما يوصف بمقبرة الغزاة …كان ذلك بعد عقد و نصف  على الاجتياح الامريكي لهذا البلد في اعقاب هجمات 11 سبتمبر وكان الانتشار العسكري الامريكي على اشده في كل مكان بعد سقوط  تنظيم القاعدة و اختفاء زعيمها اسامة بن لادن و عودة فلول طالبان للحياة في الكهوف والجبال ..
اليوم تعود مدينة خوست الى سطح الاحداث و يعود معها الحديث عن افغانستان بعد الزلزال المدمر الذي ضرب هذا البلد في الساعات القليلة الماضية ليفاقم الازمة بعد الزلزال السياسي الذي هز اهلها على وقع الهروب المفاجئ للقوات الامريكية من افغانستان و عودة طالبان منتشية لتفرض سلطتها على الافغان و تعلن اقامة امارة افغانستان الاسلامية و اقرارالعودة الى احكام الشريعة التي ستبدأ بملاحقة الفتيات و النساء و اعادتهن الى عهدة البرقع و القطع مع الطبائع المفسدة وأولها التعليم والعمل و السفر …
لا خلاف أن الصورمؤلمة والحصيلة  ثقيلة وصادمة , فعدد الضحايا تجاوز في الساعات الاولى الالف ضحية دون  اعتبارللمصابين و المحاصرين الواقعين تحت الانقاض في انتظار انقاذ قد ياتي و قد لا ياتي …ولاشك أن كل من حاول تتبع ما حدث في أفغانستان أدرك منذ اللحظات الاولى أن حكومة طالبان لن يكون بامكانها تقديم المساعدة التي يحتاجها الضحايا ولا تنظيم عمليات الانقاذ والاسعاف فحجم الكارثة يتجاوز قدرة هذا التنظيم على ادارة أزمة بهذه الخطورة في ظل انعدام الامكانيات و شح المصادر و التمويلات و عجز المستشفيات واجبار الاف الممرضات و الطبيبات على الاعتزال … سقطت طالبان في اول  اختبار حاسم يفرض عليها بعد ان فرضت على البلاد والعباد قبضة من حديد و جعلت حياة الافغان اقرب الى حياة المساجين …
اليوم تجد سلطة طالبان نفسها في مواجهة كارثة طبيعية وقفت معها عاجزة عن انقاذ حياة مواطنيها و الوصول للضحايا في المناطق المنكوبة الواقعة تحت الركام … مدينة خوست الافغانية عنوان يختزل حالة الفقرفي هذه المدينة و لكن ايضا يختزل عقودا من الحروب الدموية و الصراعات و الحروب التي دمرت هذا البلد و جعلت حياة الافغان معه في مخبر مفتوح للتجارب بعد كل اجتياح اجنبي من الاجتياح البريطاني الى الاجتياح السوفياتي الى الاجتياح الامريكي و في كل مرة يكون الثمن اثقل مما سبق … من زار مدينة خوست الافغانية الواقعة على حدود باكستان  و خبر حجم الفقر و الخصاصة و حجم المعاناة التي تبقى القاسم المشترك بين جميع سكان هذه المدينة الافغانية التي لا تختلف كثيرا عن واقع أغلب المدن الافغانية يدرك جيدا تداعيات فشل و عجز المجتمع الدولي في مساعدة هذا البلد على تجاوز محنته …

تقلا عن رأي اليوم 

جمعة, 24/06/2022 - 16:21