.. وأخيرا عاد إلى الواجهة

محمد ناجي أحمدو

يبدو أن الشعر عاد للواجهة، تقييما ونقدا وتذوقا..
والتقييم والنقد والتذوق أمور انطباعية، تختلف من شخص لٱخر، وتتغير فيها معايير الفحولة والفسولة من متلق لٱخر..
..
مهم جدا أن يأخذ الشعر أي مكانة في الواجهة مهما كانت، بعد فترة كسدت فيها بضاعته، وأقصي فيها سدنته، وحُلئوا عن الأمواه والمراعي..
عاد الشعر للواجهة عن طريق بيتين للتقي ولد الشيخ وقصيدة لمحمد ولد الطالب..
بيتا التقي الترحيبيان كانا "جديدة" كتبتها جهة نواكشوط في لوح كبير بخط مغربي أندلسي شنقيطي لا يؤذي العين، ويبدو أن أهل موريتانيا حفظوا جميعا "كتبتهم"، بدليل أن الحديث عنهما غفلين غير منسوبين لصاحبهما كاد يطغى على أول قمة واقعية في العالم بعد الإغلاق بسبب كورونا، من ناعت بالبرودة وغياب نسغ الشعر، وما أبرئ نفسي من الإلمام ببعض ذلك، والله يغفر لي، ومدافع عنهما باعتبار أنهما يؤديان المقصود، وهو الترحيب الخفيف في الخفيف بالضيوف الذين ليسوا من مضغ الشيح والقيصوم..
أما قصيدة الشاعر محمد فكانت مديحا للرئيس محمد الذي رص صفوف الجيش عشرا، ولبى أمر الله في الأرض راغبا، وقارب القلوب من بعد طول تنافر..
قال قائلون مثل ما قال الأولون عن بيتي التقي: قصيدة باردة، لا تقارن بقصائد محمد في محمد أبي بدر، وقال كثر: لقد كان ابن الطالب محلقا في القصيدة كعهده؛ أيام يتسلق مئذنة البوح ويسرق النار، ويناجي رهين قيود الروم..
والحق أن القصيدة تحلو مع الترداد والإعادة، وتتبدى ملامح فحولتها وانتمائها لمدرسة مالئ الدنيا وشاغل الناس لحظة بعد لحظة..
الباء المفتوح الفخم يوفر بذخا يرضي ترف المتلقي، والمقابلات المتراصة تنبع منها عرامة "طالبية" ليست بنت اليوم..
قال ٱخرون: أي مكان للمدح في شعر هذا الزمن، ومدح من.. مدح القادة، أليس نوعا من "التطبيل وامتهان الشعر" قالوا؟
قلت: أي ضير أن يعبر شاعر أو ناثر بالطريقة التي تروقه وبالقالب الذي يحمل رسالته عن موقف أو لحظة أو فكرة. 
فكما يكتب معارضو القادة المدبجات النثرية الطوال تثليبا ونيلا من الحكام، وكما يضمر موالوهم الجياد الجرد على الوجى من النثر الفني الصقيل في مديحهم وتعداد أياديهم البيض ومننهم الثقال على البلاد والعباد، فأي ضير في أن يمتشق فحل من فحول القريض قلمه، ويصوغ عصماء عروب الزي سيفية أو بنت خالتها غراء بضة معتصمية تذكر أيام كذب المنجمون، وصدق السيف في رجب الفرد لما تبدى النجم الغربي ذو الذنب؟
ألا يدخل هذا بغض النظر عن مضمون وحمولة النص في تضييق الواسع؟
وفي زاوية أخرى ألم يؤد بيتا التقي الغرض المطلوب منهما، أما جاءا مختصرين ميسرين للحفظ من قراءة واحدة؟
هل تريدون أن يكتنز بيتا ترحيب بالصور والأخيلة والمجاز وكيت وكيت..
كل ما في الأمر أن رئيسة جهة نواكشوط طلبت من التقي بيتين سريعين، وهو من يصدق عليه گاف مخاطب گرمي، وليس على الله بمستنكر أن يملك الرجل أزمة القولين..
فولد بيتان بعد مخاض لم يستمر دقيقتين، وأرضيا انتظارات السيدة والجهة التي ترأس، وأديا رسالتهما بدلالة الضجة المثارة..
لقد كسبنا من هذا، نحن الغاوين، أن عاد الشعر إلى الواجهة، بعد أن كادت أسماك قرش اليم تأكل تابوت هذا الضياع..
أرشيف 1 يوليو 2020

ثلاثاء, 02/08/2022 - 16:57