جدل كبير وقع في الجزائر بسبب اللغة الإنجليزية وتدريسها في الطور الابتدائي، الكثير خرج عن صمته وإعتبر فرض اللغة الإنجليزية في هذا التوقيت خطر كبير يُهدد العربية ويجعلها تتدحرج للمراتب الدُنيا أكثر، في بلد شعبه مُفرنس، آخرون أيدوا هذا الطرح وذهبوا لأبعد من هذا، وإستعملوا التلميذ كورقة ضغط لمنع تدريس هته اللغة من الطور الإبتدائي، وحُجتهم الضغط على عقل التلميذ الصغير الذي لا يستوعب كل هذا الكم من المعلومات فتدريس لغة العلم والتكنولوجيا للبعض من الإبتدائي قرار مُتسرع ويجب إعادة النظر فيه ودراسة القضية بكل أبعادها، ووسط كل هذا جاء القرار الرئاسي وأُعتمدت اللغة الإنجليزية كلغة علم من الإبتدائي بداية من هذه السنة، وهو قرار صائب سيجلب الكثيير من المنافع لأبنائنا في المُستقبل، فالبحوث العلمية الجامعية كُلها أصبحت باللغة الإنجليزية، كثير من الأساتذة في مُختلف التخصصات أصبحوا يستعملونها كلغة تدريس عوض الفرنسية، ويُشجعون طلبتهم على القيام بمذكرات التخرج بالإنجليزية، المُلتقيات العلمية وحتى السياسية أصبحت بالإنجليزية، ولهذا يتسابق رجال الأعمال والساسة المُفرنسون لتعلم هته اللغة لإستعمالها في حياتهم العملية وحتى في سفرياتهم وإبرام الصفقات. فيكفينا أنه من بين أسباب تراجع مُستوى جامعتنا عالميا هو عدم إعتماد هذه اللغة في البحوث والمقالات العلمية.
فاللغة الأُم تبقى الملكة المُتربعة على عرش اللغات في بلدنا وكثير من البُلدان الإسلامية، مكانتها محفوظة ولا أي لغة ممكن تُهدد وجودها، فيكفيها شرفا أنها لغة القرآن وهويتنا في رحلاتنا، صحيح أنها مُهمشة من طرف أهلها وخاصة المسؤولين الذين يُفضلون الفرنسية عليها ،وهذا عيب كبير نتمنى أن نجد له حلا في أقرب فُرصة، ونحن هنا لا نتكلم عن الجزائر فقط، بل كل الدول المغاربية التي يتكلم أهلها الفرنسية بسبب المُستعمر الذي ترك بصمته فينا، فالفرنسية كانت ومازلت التهديد الوحيد للغة العربية بسبب الإرتباط الوثيق السلبي بيننا وبين مُستعمرنا فرغم كل شيء إلا أن فرنسا مازالت لبعض الجزائريين الحُضن الدافئ، يحجون إليها ويستثمرون فيها ويملكون سكنات وأرصدة لا تُعد ولا تُحصى، ليس بالضرورة أن يكونوا كبار كرش كبير ، حتى الجزائري البسيط تجده يُفضل فافا على بلده، للإمتيازات التي تُقدمها له، ولسهولة المعيشة هناك مُقارنة بالجزائر التي صراحة أصبح العيش فيها صعب على القليل( ثلاث نقاط على القاف) وعلى المُثقفين أصحاب الشهادات الذين لا يجدون عملا يليق بمستواهم العلمي والثقافي.
أما عن الإستعاب والفهم، فالطفل صغير وعنده القُدرة على الفهم والإستعاب أكثر منا، لذا فالخوف ليس من الإنجليزية وإنما من المناهج الثقيلة والمواد الكثيرة في هذا السن، وكم من مرة طالبنا فيها بالتخفيف من المحفظة والمواد لكي يتسنى للطفل الخروج بحوصلة إيجابية في نهاية السنة، ولما تسأله عن شيء لا يتهرب ويقول لك نسيت أو لا أعرف، فتعليم لغة لأطفالنا بالعكس سيُشكل قيمة مُضافة لهم ولمشوارهم العلمي، لن يجدوا صُعوبة في فهم النُصوص وترجمتها في الجامعة، فاللغة الإنجليزية ليست لغة جديدة علينا، الكثير من أبنائنا وبناتنا يتعلمونها في المُتوسط والثانوي، في المدارس الخاصة، والطلب عليها مقبول مُقارنة باللغات الأجنبة الأُخرى، لذا لا داعي للخوف منها.
فالوقت مُناسب جدا لإعتماد هذه اللغة في مناهجنا، وتشجيعها في الإدارات، صحيح أن الأمر يتطلب وقتا، لكن الخُطوة الأولى جاءت وما بقي إلا القليل، فأصعب الأُمور بداياتها والنتائج الإيجابية ستأتي مع السنوات وسنقطف ثمارا ناضجة وزكية ستعود علينا بالفائدة في السنوات القليلة القادمة، فالقضية المُنتهية والتي لا نقاش فيها أن الإنجليزية تفوقت على الفرنسية كثيرا، وأخذت مكانا كبيرا في قُلُوب مُتعلميها صغارا وكبارا، فوجودها في الإشهار والدعاية كاف، وكرسالة للمُشككين والقلقين حول الموضوع أقول لا داعي لكل هذا، فمُتخرجي هذا التخصص كثير، والتكوين لا محالة سيساهم في تطور مُستواهم العلمي والتعليمي، فنحن لم ننتقل من تبعية لتبعية وإنما ركبنا قطار العصرنة وواكبنا التطور الذي ضيعناه لسنوات لأسباب وأُخرى، فمُبارك علينا هذه الخُطوة وإن شاء الله تكون فال خير لبقية النجاحات التي نتمناها لبلدنا الجزائر.
نقلا عن رأي اليوم