لا نستطيع قراءة مشهد انهيار عمارة الوبيدة بمنأى عن سلسلة أحداث وكوارث وأزمات حصلت وخلال فترات زمنية متقاربة حصدت خسائر بالأرواح والممتلكات، مرورا بحادثة صهريج الكورين بالعقبة بسبب انهيار منظومة السلامة العامة، سبقها أزمة نقص الأكسجين في مستشفى السلط، وحالات متزايدة في ملف الأخطاء الطبية بسبب غياب الرقابة، وحتمية السؤال عن المماطلة في تفعيل قانون المسائلة الطبية، وأزمة الصوامع، وحادثة غرق وسط البلد وما تكبده التجار من خسائر مالية وتلف بضائعهم جراء تهالك البنية التحتية، ناهيك عن وفاة أطفال أثناء الانتظار في ردهات المستشفيات العامة نتيجة عدم وجود أسره، وفاجعة البحر الميت، وحوادث سقوط الناس في المناهل، وحوادث انقطاع الكهرباء خلال العاصفة الثلجية وتراشق الاتهامات بين الجهات الحكومية المختصة.
المملكة ليست جزرا معزولة طبعا وعليه فإن القاسم المشترك الأكبر بين تلك الحوادث والأزمات والكوارث هو :
سوء الإدارة وضعف آليات الرقابة واستشراء الفساد، و غياب المساءلة الحقيقية وغياب العقوبات الرادعة وغياب الشفافية. هذا التشخيص ليس رأيا شخصيا او انطباعا أو تحليلا أنما واقع الأمر الذي يستند إلى تقارير وطنية رسمية مثل تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وتقرير حالة البلاد اللذان عادة ما يوضعان بالأدراج، ثانيا التقارير الأممية والدولية والتي تشير الى تراجع المملكة الأردنية الهاشمية ثلاثين نقطة في مؤشر الفساد ناهيك عن تراجع مكانتها في مؤشرات الشفافية.
جوهر الأسباب لا قشورها:
وبالرجوع إلى فكرة الربط بين الحوادث والأزمات والوقوف على الأسباب والمسببات بعمق، أشير إلى رأي الخبراء والمهندسين بخصوص الربط المباشر بين تسرب المياه من الشبكات ودورها الأساسي في تآكل أساسات العمران، أتساءل هنا عن المليار دولار التي قدمت للأردن من بنك الإعمار الألماني والتي تم الإفصاح عنها
للأعوام 2020 و 2021 والتي تخص قطاع المياه عموما والشبكات خصوصا فأين تذهب هذه المنح والمساعدات، ناهيك عن حوالي 600 مليون قدم من الألمان خلال العقود الأخيرة ولا تزال الشبكات مهترئة بحسب رسميين وخبراء. من حق كل أردني ان يتساءل أين تذهب الضرائب والرسوم التي يدفعها، وما هي أوجه صرف المنح والمساعدات العربية والدولية التي لا يرى أثرها في حياته اليومية. من الصعوبة بمكان ان تحصل على إجابات في ظل تكبيل قانون النزاهة والشفافية وعدم تفعيل قانون حق الحصول على المعلومة.
تعاطي الإعلام الرسمي في الأزمات :
تعاطى الإعلام الرسمي باستخفاف لعقول الاردنيين ومزيد من التضليل، عند استضافة بعض “المسؤولين ” عن كارثة عمارة الوبيدة أطلوا على الأردنيين بترهات الحديث وبدون أي اعتذار او أدنى شعور بالمسؤولية يتحدثون عن الدروس والعبر المستفادة، مع وجود كتب رسمية تدينهم جميعا لم يتم التعرض الى معظمها.
أرواح الأردنيين ليست دروسا ولا عبرا، لو كنتم حركتم ساكنا عند إنهيار عمارة الجوفة أو عمارة الزرقاء او عجلون او جرش لمى وصلنا لعمارة اللويبدة .
وعبر قناة إعلامية أخرى يبدأ مسؤول آخر حديثه بالإبتعاد عن “الشائعات والشعبويات” ممن إعتادوا على ترويج تجارة الوهم
من مبدأ “لا أريكم إلا ما أرى وانا ربكم الأعلى”
و بالمحصلة يتضح ان إدارة الدولة بمستوياتها وحيتانها وأذرعها وهيمنتها على الأجهزة الرقابة، لا تريد إصلاحا سياسيا حقيقيا بحيث يستحيل تحقيق اي إصلاح إداري او اقتصادي بأدوات فاسدة.
غالبا ما تعالج الدولة الأزمات عبر تشكيل لجان لا نعرف شيئا عن شخوصها ولا آلية عملها ولا نتائجها عنوانها “القاتل يحقق في الجريمة” إذا كانت الأزمة إدارية، او يتم إحالة بعض الملفات إلى المدعي العام اذا كان شقها جزائيا ويتم محاسبة صغار الموظفين.
لأن الكبار لا يتحملون اي مسؤوليات لا جزائية ولا أدبية ولا سياسية ولا أخلاقية وإن حدث، يدخلون لعبة الكراسي ويعاد تدويرهم في أعلى المناصب، وغالبا ما سنجدهم في الكرسي الجديد المستحدث، كرسي الأحزاب الطارئة المنتفخة المصنعة، ليحكمونا ضمن حكومات برلمانية في ظل غياب ضمانات لنزاهة الإنتخابات.
نقلا عن رأي اليوم