لم يكن "سلطعون البحر"، الحيوان البحري الذي يتخذ تسميات عدة مثل عقرب البحر أو سرطان البحر أو "سلطعون الزهر"، يمثل مصدر خطر على الصيادين في تونس ممن يتخذون من سواحل البحر المتوسط مجالا للتوغل بقواربهم الصغيرة ورمي شباكهم لصيد الأسماك.
ولكن السنوات الأخيرة شهدت انتشارا مهولا لذلك الصنف من الكائنات البحرية المعروفة بالقشريات والذي بات بمثابة الآفة التي تمزق شباك الصيد وتأتي على الأسماك الصغيرة التي تشكل مصدر الرزق الوحيد للصيادين في سواحل البلاد.
ورغم أن بلدانا متوسطية عديدة مثل تركيا والمغرب وغيرهما، نجحت في الاستفادة من "سرطان البحر" كثروة بحرية يتم تقديمها أكلة دسمة ذات مذاق خاص، فإن هذا الكائن الذي انتشر بكثافة في سواحل محافظات المهدية وصفاقس والمنستير التونسية بات يؤرق البحارة بسبب تمزيق الشباك، ويهدد الثروة السمكية بالتهامه الأسماك الصغيرة.
"ناجي" هو أحد صغار البحارين الذي يمتهن صيد السمك بسواحل محافظة صفاقس (جنوب) وذلك منذ أكثر من 15 عاما لكن إبحاره لكسب الرزق كثيرا ما اصطدم بغزوات عقرب البحر أو "داعش" كما يسميه البحارة في تونس والذي حول حياة البحارة إلى كابوس منذ انتشاره في السواحل التونسية في 2014 بحسب قوله.
ويقول ناجي، وهو رب عائلة تتكون من خمسة أفراد إن كثيرا من الصيادين خصوصا الذين يملكون قوارب صغيرة للصيد بالشباك إن "داعش البحر شكل خطرا متواصلا على نشاطهم خصوصا أنه يخترق الشباك بمخالبه ويمزقها ليأتي على الأسماك التي عادة ما تكون حصيلة يوم كامل من الصيد."
ويضيف في حديثه لسكاي نيوز عربية: "لم نكن في البداية نعرف أن هذا الحيوان هو في الأصل من غلال البحر، كنا نسميه داعش لأن هجماته تأتي على كل شيء ولا تترك لنا سور شباك ممزقة، عانينا طوال سنوات من هذه الآفة وحتى الآن رغم أن هناك من نجح في الاستفادة من سرطان البحر فإن صغار الصيادين ظلوا يدفعون ثمن غزواته لأنه يمزق الشباك ثم يخرج منها في غالب الأحيان.
ويعرف السلطعون بأنه "كائن بحري ينتمي لعائلة القشريات المفترسة، يكون جسمه عادة مغطى بهيكل خارجي صلب، وهناك العديد من الأنواع من السرطان البحري منها ما يعيش في المياه شديدة الملوحة، ومنها ما يعيش في المياه العذبة سواء في المحيط الهادي أو المحيط الهندي والبحر الأحمر، وهي تمتلك مخالب حادة يصل طولها 43 سنتمترا وتغزو المياه بشكل جماعي لتمزق شباك الصيد وتنفذ إلى الأسماك وقد تكون هجماتها الجماعية وراء تسميتها بداعش البحر، كما يصل طول بعضها 4 أمتار كاملة أما وزنها فيمكن أن يفوق 9 كيلوغرامات.
ومنذ 2014، تزايدت مخاطر "السلطعون " الذي أطلق عليه البحارة في تونس اسم "داعش البحر"، أو "(سلحفاة) داعش، وهي الكنية التي تستمد معناها من السلوك العدواني لسلطعون البحر ومهاجمته الأسماك والشباك، فضلا عن تاريخ انتشاره في السواحل التونسية حيث تزامن وصول هذا الجنس من القشريات إلى خليج قابس (جنوب شرق) مع فترة إنشاء تنظيم داعش بحسب تقدير خبراء في مجال العلوم البحرية.
وكشف حامد ملاط، الباحث في مجال العلوم البحرية بكلية العلوم بصفاقس إن "سرطان البحر" أو "السلطعون الأزرق" هو من الكائنات الغازية أما ظاهرة انتشاره فتسمى "الغزو البيولوجي"، وبشكل عام تحدث هذا الانتشار إما طبيعيا أي أن الحيوان البحري يغير مكان عيشه أو بأثر خارجي وعادة ما يكون هنا الإنسان وراء انتقال هذه الكائنات من مكان إلى آخر أما عبر السفن أو لدوافع أخرى على غرار توسعة قناة السويس مثلا بالنسبة إلى "السلطعون" الذي حل بالسواحل التونسية في 2014 قادما من البحر الأحمر نحو البحر فتح قناة السويس.
وقال ملاط، الناشط في الجمعيات المهتمة بالأحياء البحرية لسكاي نيوز عربية: "توجد عدة أنواع من سرطان البحر، وأحدها غزا السواحل التونسية في 2014 في سواحل مدينة قابس وتكاثر بصفة كبيرة في السنة الموالية وحتى 2016، أما النوع الثاني فهو "السلطعون الأميركي" والذي غزا سواحلنا في 2019، وذلك عبر مضيق جبل طارق.
وتابع: "من المؤكد أن أضرار غزو داعش البحر كثيرة، ففضلا عن المضار الاقتصادية كونه يتسبب في أضرار فادحة على الثروة السمكية ويخترق الشباك الباهظة الثمن ليكبد الصيادين خسارة في الإنتاج وفي تجهيزات الصيد مما يؤثر على موارد رزق البحارين فإنه يهدد التنوع البيولوجي البحري بحكم أنه يعمل على مزاحمة كائنات بحرية أخرى وافتراسها، داعش البحر من الكائنات المفترسة التي تتسبب في اختلال التوازن البيئي لسائر الأحياء البحرية كما أن الحيوانات الغازية عادة ما تكون هي الأشد فتكا."
ويضيف الباحث في العلوم البحرية "حاولت تونس تثمين هذا الكائن والبحث عن حلول لتقليص مجال أضراره وتحويله إلى ثروة لكن هذا ظل حكرا على السواحل الجنوبية فينا لا يزال الإشكال قائما في السواحل الشمالية."
ومقابل ما يخلفه من إشكالات وصعوبات للبحارة، سعت بعض الشركات التونسية الناشطة في مجال الصناعات التحويلية وتسويق الأسماك وإلى توظيف هذه "الآفة" في قطاع تصدير المنتوجات البحرية حيث بدأت منذ العام 2018 في تصدير سلطعون البحر إلى تركيا بعد اكتشاف فوائد هذا الكائن الغذائية.
وقال كريم حمامي، مدير شركة متخصصة في المنتوجات البحرية وتصدير الأسماك "في السابق لم يكن أحد يعرف أن لسلطعون البحر أو "داعش البحر" فوائد، بل لا يكاد يعرف كيفية إعداد الأطباق التي ترتكز عليه، إذ كان البحارة يتفادون اصطياده ويبتعدون بشباكهم عنه لكن أحد المستثمرين الأجانب أبدى اهتمامه بهذا الكائن وكشف إمكانية تحويله من كائن مضر إلى ثروة بحرية.
وأضاف: "تحركت وزارة الزراعة والصيد البحري في تونس وبدأت تبحث عن أسواق خارجية قبل أن تنطلق عمليات تصدير "داعش البحر" والتي تبلغ إيراداتها سنويا ما يفوق 9 ملايين دينار ( 3مليون دولار تقريبا).
يشار إلى أن وزارة الزراعة والصيد البحري أعلنت منذ سنوات عن إطلاق خطة لتكثيف استغلال "داعش البحر" والتّشجيع على صيده وترويجه كما وفرت وحدات صيد لنحو 138 بحارا في السواحل الجنوبية للبلاد بهدف ترويج السلطعون في الأسواق العالمية وتحويله من آفة مخيفة إلى ثروة.
نقلا عن سكاي نيوز عربية