خاركيف والنصر الإعلامي

مروان حج محمد

ترتبط السياسية بالإعلام ارتباطاً وثيقاً يكاد يكون أشبه بالتلاحم في وقتنا الحالي, وكل ذلك جاء كنتيجة حتمية لبروز ثورة المعلومات والاتصالات العابرة للحدود والقارات, فبقدر ما يتم توظيف الإعلام لأغراض سياسية تخدم الدولة, نرى أن هناك توظيفاً له لأغراض سياسية هادمة لدولٍ أخرى, لا سيما إن تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية, التي تفننت في هذا الجانب منذ الحرب العالمية الثانية, مروراً بغزو أفغانستان والعراق انتهاءً بدعمها لشركائها في كييف.
فالتاريخ يذكر العام 2003م ومع الغزو الأمريكي للعراق تلك الدعاية الأمريكية التي أفادت أن روسيا الاتحادية قد قامت بتزويد النظام العراقي بأجهزة تشويش حديثة تستخدم الحاسب الآلي وتقنية الليزر ضد النظام  والجيش الأمريكي وأهدافه بإحلال الديمقراطية, وطبعاً كان الهدف من ذلك إظهار روسيا بأنها دولة داعمة للإرهاب وذلك لأنها أرادت الوقوف ضد تلك الحرب التي من شأنها زعزعة الاستقرار والأمن الدولي, كما قامت بإطلاق إشاعة سياسية ضد رئيس الوزراء الألماني (حير هارد شرويدر), الرافض للحرب، فأعلنت فيها بأن رفضه ما هو إلا وسيلة لتحقيق مكسب شخصي.
أما اليوم وبعد مضي قرابة السبع أشهر على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا, ومع سيطرة القوات الروسية على ما يقارب الـ (20%) من إجمالي مساحة أوكرانيا, إضافةً إلى  خسائر الجانب الأوكراني التي قدرها البنك الدولي بـ (97 مليار دولار), كأـضرار مباشرة للعملية العسكرية, وقرابة الـ (252 مليار دولار), عن تعطل التدفقات الاقتصادية.( )
وبعد خسائر بشرية تقدر بعشرات الألاف من الجنود, حسبما صرح به رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة (مارك ميلي), إضافةً إلى ألاف الجنود ومئات المدرعات في الهجوم الفاشل الأخير في التاسع والعشرين من أغسطس على مدينة خيرسون.( )
ومع الدعم الأمريكي اللامحدود لحكومة كييف ومن خلفه دعم (27), دولة أوربية في حلف الناتو, كان لابد من مسرحية إعلامية دقيقة من شأنها أن تعيد القليل من ماء وجه الغرب نتيجةً لهذه الإخفاقات في مجابهة دولة منفردة, وكعادتها التي سبق واستخدمتها في غزو أفغانستان والعراق, حضرت واشنطن مع حلفائها مسرحية خاركيف لتحقيق أهداف ثلاث أولها استعادة ماء الوجه، وثانيها رفع معنويات الجيش الأوكراني، وثالثها العمل على احباط معنويات الجيش الروسي هناك.
وبخطة محكمة وبدعم من دول الناتو وواشنطن ومع ملايين الدولارات والآلاف من الأسلحة المتطورة على رأسها (منظومة هيمارس الصاروخية), استطاعت القوات الأوكرانية أن  تستعيد ما يقارب الـ (6000كم2), من إجمالي قرابة الـ (180000 كم2), التي تسيطر عليها القوات الروسية مع احتساب شبه جزيرة القرم.
فهل يحتاج المتابع للقنوات الإخبارية والسوشيال ميديا إلى كل هذا التصفيق الإعلامي لاسترجاع 28 دولة وبأحدث الأسلحة والمعدات لستة ألاف كيلو متر مربع من اجمالي مائة وثمانين ألف، وفي منطقة خارجة أساساً من محور العملية العسكرية الروسية الخاصة التي تستهدف أصلاً إقليم دونباس الواقع في شرق أوكرانيا وجنوبها؟
حقيقة الأمر ما حصل في خاركيف لا يذكرنا سوى بالإعلام الأمريكي الذي تحدث عن مقتل الرئيس العراقي وولديه في الأيام الأولى من الغزو الأمريكي للعراق, وعن استسلام المقاومة العراقية في جنوب البلاد, والإشاعات سالفة الذكر حول روسيا الإتحادية.
حيث تبقى الدعاية السياسية أداة مهمة ورئيسية لإدارة الأزمات والحروب العسكرية، بل يعتقد البعض أنه يجب أن تسبق الحرب  العسكرية دوماً ما يٌسمى بالحرب النفسية،  لما تمتلكه هذه الحرب من  تأثيراُ مباشراً وقدرة كبيرة على تغيير سلوك وأفكار الجمهور المعادي، وبالتالي تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية.
وفي هذا الصدد يرى الدكتور (سمير محمد حسين), أن الدعاية السياسية هي ما يُعبر عم كتفة الجهود الاتصالية المقصودة والمدبرة الهادفة الى نقل المعلومات المحددة ونشر الأفكار والاتجاهات المعينة بهدف إحداث تأثير مقصود ومحسوب على معتقدات وسلوك فئات معينة من الجمهور دون أن ينتبه هذا الجمهور الى الأسباب التي دفعته أصلاً لتبني هذه الأفكار ودون أن يبحث عن (الجوانب المنطقية) لها.( )
ليبقى السؤال القائم: هل من المنطق أن نتحدث عن خسارة وتراجع لروسيا الاتحادية, وربما خروج من الحرب مع أذيال الهزيمة كما يروج الغرب نتيجة خسارتها لـ (6000 كم2), من إجمالي (180000 كم2), ومع عشرات آلاف القتلى الأوكرانيين ومئات المدرعات والآليات والذخائر التابعة لأكثر من (29) دولة؟
هذا بالضبط ما سنترك الإجابة عليه للأيام القليلة القادمة, ونُذكر هنا بالشتاء الروسي الذي كان سبباً في خسارة ألمانيا للحرب العالمية الثانية, وربما سيكون سبباً لخسارة الكثرين مثل ألمانيا لشعور الدفئ والاكتفاء.
المراجع:
نبيلة بن يوسف, الدعاية السياسية أثناء الحروب, جامعة قاصدي ورقلة, كلية الحقوق والعلوم السياسية, 2011, ص 10.
خسائر أوكرانيا الهائلة في الحرب ..هل توقف الحماس لإستمرارها, مقال الكتروني, عن: (midline-news), نشر بتاريخ: 13/9/2022, متوفر عبر: https://2u.pw/2Lmzf
البنتاغون: قوات كييف خسرت عشرات الآلاف من أفرادها بين قتيل وجريح, مقال إليكتروني, عن: (روسيا اليوم), نشر بتاريخ: 8/9/2022, متوفر عبر: https://2u.pw/0h85U
نبيلة بن يوسف, الدعاية السياسية أثناء الحروب, مرجع سابق, ص6.
باحث في العلاقات الدولية
دبلوم في الشؤون الدولية والدبلوماسية – ماجستير في العلاقات الدولية

نقلا عن رأي اليوم 

جمعة, 23/09/2022 - 11:08